فيما يخص الحديث عن مرض (الإضطراب الثنائي الوجداني) الذي يشعر به المريض بنوبات من الإكتئاب الشديد (major depression) و أخري من الإبتهاج الغير المبرر(euphoria)، و قد تتصادف مع أعراض من الوسواس القهري (OCD)، بل و تاثير العلاقات الإجتماعية علي تطور الحالة المرضية، بل و قد يصل إلى حد الذهان(الجنون)، فلنهم القصة من سياق يوميات بعض مرضى الإضطراب الثنائي الوجداني.
بأحد مكاتب الإستشارات الهندسية أخذ المهندس (عمر) يمارس عمله
بتصميم أحد المبانى السكنية لكنه كان عابس الوجه، عصبى للغاية،
أقترب منه صديق عمره (أحمد) ودار بينهما الحوار التالى:
أحمد: مابك ياعمر؟
عمر: أرجوك اتركنى لحالى فأنا لا أريد التحدث لأى أحد فلى مشاكل فى كل مكان.
أحمد: ألا تتحدث إلى؟ فأنا صديق عمرك.
عمر: المدير لا يقدر عملى أو مواهبى، فأصبحت أشعر بذلك تجاه كل الناس فلا عمل بلا تقدير.
أحمد: ليس كل الناس سيئين ياعمر، هناك الصالح والطالح.
عمر: لا أحد يقدر عبقريتى أشعر أننى غريب وسط مجموعة من الحمقى، حتى زوجتى أشك فى إخلاصها و انها تتصرف بطريقة غير طبيعية.
أحمد: لقد تماديت ياعمر وتحتاج لعلاج نفسى لطرد تلك الوساوس والمعتقدات من مخيلتك فلتبدأ العلاج فوراً.
عمر: حالياً أنت الوحيد الذى أثق به يا أحمد هل تعرف طبيب جيد؟
أحمد: نعم هيا بنا.
وعندما وصلا العياده جلس عمر بجوار مريض آخر وسأله عما به، فحكى له عمر فقال له المريض:
المريض (ب) : أنت لن تشفى أبداً فهذا ما أنت تشعر به فى المستقبل.
عمر: أحتفظ برأيك اللعين لنفسك.
المريض (ب): بل أن رأئي هو الصواب فالبرامج التليفزيونية ووسائل الإعلام تستعين بى.
عمر"متهكماً" :باب النجار مخلع.
ثم دخل المريض (ب) إلى المعالج ودار الحوار التالى:
المعالج: أرجوك تمدد على الشيزلونج، وأحكى لى مشكلتك.
المريض (ب): بعد أن حكى له ما دار بينه وبين عمر" أنا لا أشعر أننى غريب الأطوار يادكتور فالناس تعتقد أننى غير مهذب وتبتعد عنى".
المعالج: إلى أى مدى يتحاشونك؟
المريض (ب): أشعر أننى منبوذ ولا أندمج إجتماعياً حتى زوجتى تضطهدني ولا تريد أن أمارس العلاقة الحميمية معها قبل أن أعالج. هل هناك أمل؟
المعالج: أكيد، لكن يجب أن يكن لديك الدافع والرغبة فى الشفاء.
جاء دور عمر ودخل للمعالج.
عمر: اشعر أننى محبوس داخل نفسى يادكتور.
المعالج: كيف؟
عمر: "حكى له ما دار مع زميله" وقال أنا أشعر براحة بالعزلة والإبتعاد عن الناس لأنهم متكبرين ومغرورين حتى زوجتى.
المعالج: منذ متى لديك هذا الشعور؟
عمر: منذ سنوات ويزداد معى حتى أننى أفكر فى الإستقاله وأن أطلق زوجتى والهجرة بحثاً عن فرصة أخرى.
المعالج: من الأفضل حل المشكلات بالمواجهة وليس بالهروب يا سيدى هل لديك إستعداد للعلاج؟
عمر: نعم بشرط ألا تستغل بياناتى و تخبر الناس بمرضى لا أريد لأحد أن ينعتنى بالجنون.
المعالج "ضاحكاً": إذا توكلنا على الله.
تجمع مجموعة من الأصدقاء فى إحدى المقاهي فى شهر يناير،وجاء صديقهم أدهم قادماً من صالة ألعاب رياضية حيث يمارس رياضة كمال الأجسام وكان يرتدى ملابس خفيفة لا تتناسب مع الجو فنصحه، أصدقائه بإرتداء ملابس ثقيلة حتى لا يصاب بالبرد، لكن قال لهم "أنه فى قوة هرقل لا يؤذنينى البرد"
وكانت إبتسامة عريضة تملأ وجهة لإحساسه بالتفوق الجسدى و العقلى على اصدقائه وأن الفتيات تتهافت عليه.
كان حديث أصدقائه يدور حول قناة السويس الجديده، فقال: "أستطيع حفر قناة ثالثة فى عام واحد بعضلاتى المفتوله".
شعر أصدقاءه بإزدراء وأنصرف بعضهم، ثم تابع حديثه قائلاً:
لقد رأيت سيارة ساقطة أمس فى حفرة وقمت برفعها، طبعاً فأنا أعتبر نفسى (super man).
أحد أصدقائه: وكيف حال صديقتك رشا ألن تتقدم لخطبتها بعد؟
أدهم: أى خطوبة، تلك الفتاة رومانسية من الطبقة المتوسطة، عندما اريد الإرتباط سوف ارتبط بأبنة مليونير ذو سلطه.
أحد الأصدقاء: وسمعة البنت يا أدهم؟
أدهم: أسمع أن أدهم خالد كبير شبان المنطقة و والدى ذوى وظيفة مرموقة، كما أننى أدرس حاسبات ومعلومات وحاصل على بطولة الجمهورية فى كمال الأجسام، فلم تعد تلك الفتاة "رشا" من مستواى أتفهمنى؟
أصدقائة: لقد خسرت كل شئ يا أدهم أصدقائك، إحترام الناس لك وأعلم أنه "كما تدين تدان".
جلس أدهم وحيداً شاعراً لأول مرة بالوحدة والغربة و لوعتها والرعب من الحديث القدسي "كما تدين تدان" فلم ينفعه غروره فى شئ حتى أصدقاءه تخلوا عنه ولم ينصحه أحد بالعلاج النفسى.
ذهب أدهم إلى منزله باكياً و رآه والده لكن كان كتوماً ولم يحكى له ما حدث ولكن قلب الأب شعر أن مشكلة كبيرة نفسيه لدى أدهم فاصحبه إلي المعالج.
المعالج: ما المشكله؟
أدهم: أريد أن أكون بمفردى.
خرج الأب وترك أدهم مع المعالج.
روى أدهم ما حدث.
المعالج: إن لديك مشكلتين الاولي هي غرورك، و الثانيه هي بعد عن الله.
أدهم: نعم، أدري هذا.
المعالج: بالإضافة إلى أن لديك شخصية هستيرية.
أدهم: و هل أنا مجنون؟
المعالج: تعانى من بعض إضطرابات الشخصية والسلوكيه وليس جنون.
أدهم: وهل أنا قابل للشفاء؟
المعالج: نعم إلى حد كبير.
أدهم: قشطة، يلا نبدأ العلاج بس من غير ما تكهربنى.
دق جرس الهاتف بعيادة الطبيب و أخبروه أن هناك عدة حالات فى المستشفى و هم في حاجة إلي إستشارته الطبيه لتحديد من الذى يذهب لبيته ومن سوف يحجز.
المعالج: كيف حالك؟
المريض: ومن أنت حتى تسألنى؟ الا تعرف "البرنس".
المعالج: سامحنى أغفر لى يا "برنس" فأنا لا أعرفك.
المريض: تباً لك أيها العبد، ألا تعرف أميرك العظيم، حسناً فأنا مشغول بنجاحاتى و بطولاتى ولست مهتماً بنكرة مثلك.
المعالج: أعذرنى سيدى، لكن ماهى نجاحاتك؟
المريض: هذه أسرار لا تقال لأمثالك.
المعالج: تسمح معاليك بالذهاب معى إلى السرايا لكنها صفراء اللون من أجل الترحيب بك.
المريض: بكل سرور.
الحالة الثانية شابه فى العقد الثالث من العمر تتصرف مثل الليث الحبيس.
المعالج: كيف حالك؟
المريضة: غاية فى السوء أيها الأحمق ألا ترى أننى سجينة هنا كالنمر الجريح. أخرجونى من هنا فوراً.
المعالج: حسناً سوف أخرجك على مسئوليتى الشخصية، لا نريد مشاكل هنا.
المريضة: لك هذا.
خرجت المريضة وجلست على كرسى معطية ظهرها للجالسين، ألست لا تريد مشاكل لك هذا؟ والأن في أريد أن أترك فى حالى.
المعالج محادثاً الطبيب: هل من الممكن إعطائها حقنة مهدئة إذ أنها تشعر بالخوف والقلق الآن؟
الطبيب: حسناً وبعد أن تفيق يجب أن نبدأ علاج مقاومة الخوف لديها(phobia).
وأثناء جلسة العلاج أقتحمت أمرأة ثلاثينية القاعة وقالت: أنا أسفه يادكتور لكن لما عرفت أنك هنا فرحت كثيراً فأنا أريد من يقنع هؤلاء الأوغاد فى الخارج أننى لست مصابه بالذهان أو أى مرض عقلى آخر.
المعالج: حسناً أيتها الحسناء، ماهى الحالة الطارئة التى لديك؟
المريضة: الحقيقة هى مجموعة من المشاكل سببها كلها عدم ثقتى فى نفسى:
١_أجد صعوبة فى إتخاد القرارات دون الرجوع للآخرين.
٢_إلقاء اللوم على الآخرين.
٣_عدم القدرة على لوم الأخرين خوفا من فقدهم.
المعالج: إذا تنحصر مشاكلك فى عدم الثقة بالنفس أليس كذلك؟
المريضة: بلى.
المعالج: أذا أبدئي بتكوين شخصية قوية رويداً رويداً، فمثلاً قومى بتربية كلب صغير حتى تتخلى عن خوف الأشياء الصغيرة وعندما تتحدثين إلى أحد قومي بقيت عينك فى عينه ولا تخفضى صوتك ... رويداً رويداً سوف تتغلبى على خوفك و عدم الرغبة في المشاركة الإجتماعية.
فى إحدى مولات القاهرة الكبرى جلس إثنان من الأصدقاء يتناولان الغداء فرغ (على) من إلتهام طعامه وذهب ليغسل يده وذهب لدورة المياه، قام بغسل يده مرة أخرى حيث شعر أن الصابون السائل لم يكن مركزاً كفاية فقام بغسلها مرة ثالثة ورابعة وسابعة ثم أراد دخول دورة المياه وقضى بها حوالى نصف ساعة ليعود ويمارس طقوس غسل يديه مرة أخرى حتى أن الصبى المكلف بإعطاء المناديل للزبائن ترك له بكرة المناديل وترك الحمام وذهب عندما شاهد (على) يتوضاء.
شعر (علاء) صديق (على) بالقلق لتأخر صديقة فذهب إلى دورة المياه ليطمئن عليه فوجده لا يزال يتوضأ، بهت (علاء) من تأخير (على) وسأله:
علاء: لما تاخرت فلقد أعتقدت أن شخص ما قام بخطفك أو أن السر الإلاهى قد فاض فى دورة المياه.
على: ما أخف دمك، لقد غسلت يدي بعد الأكل ثم قضيت حاجتى ثم أنا أتوضأ الأن.
علاء: فى ساعتين؟ أنت مصاب بالوسواس القهري.
على: لست مريض نفسياً. ألن تصلى معى؟
علاء: لقد صليت وأنت تغسل يداك، سأنتظر بالخارج أقصد سوف اشاهد فيلم فى السينما بينما انت تتوضاً وتصلى. سلام.
وبعد أن فرغ على من الصلاة.
علاء: هل أنت موسوس يا صديقى وغير سعيد فى حياتك؟ كما انك لم تعد كريماً كما كنت سابقاً.
على: أنت على حق لقد أصبحت بخيل حتى فى مشاعرى وفقدت قدرتى على الإستمتاع بالحياة.
علاء: هل تقبل علاج نفسى؟
على:لا،نهائيا أتريد أن يقول الناس أن على بك أصبح مجنوناً؟
علاء: أنت لست على بابا وهذا لمصلحتك فلقد أصبحت موسوساً يا صديقى وقد قرأت ان مرضك قابل للشفاء بشرط أن يكون لديك رغبة فى الشفاء وإلا ستحول حياتك إلى جحيم ... إلى العياده النفسية.
عودة إلى العيادة، دلف إثنان يبدو على أحداهما التوتر و الإنزعاج ويبدو أن الآخر يحاول إقناعه بعدم المغادرة.
ذهب المريض (حامد) إلى (السكرتيره) وقال لها:
هل الطبيب موجود؟
السكرتيره: لم يصل بعد.
حامد: وسوف ننتظر معاليه كثيراً أليس المفروض أن يلتزم بمواعيد العياده أم أنه البك ونحن عبيد سيادته.
حاول صديقة تهدأته و أعتذر من السكرتيره، لكن حامد أستطرد قائلاً:
حامد: هل هو أستاذ دكتور فى اورام المخ؟
السكرتيره: بل هو معالج نفسي.
حامد: إذن لن يكون هناك فحص أو أدويه ماذا سيفعل لى هل سيعمل لى حجاب أو عمل؟
الصديق: عيب يا حامد.
حامد : إنهم يعطونك كده جلسات و يقلبون جيبك، نقود بلا تعب ونحن نكدح فى العمل و نتقاضى ملاليم.
هنا دق هاتف حامد فأجاب:
حامد: ماذا تريد يا طارق؟
طارق: أريد المبلغ الذى أقرضتك إياه وقلت لى ستعيده بعد شهر.
حامد: ربنا يسهل ليس معى مال الآن.
طارق: لدى إلتزامات يا حامد، كما أنك لم تقم بتسليمي قطع الغيار الأسبوع الماضى.
حامد: إنها ما زالت فى الجمرك ويجب دفع غرامة تأخير.
طارق: وما ذنبى أنا؟ أنت لا توفى بالتزاماتك.
حامد: أفعل ما شئت .. مع السلامة.
حامد محدثاً صديقة: هؤلاء الرؤساء فى العمل حمقى ولا يقدرون الكفائات مثلى فأنا أستحق منصب المدير لا ذلك الأحمق.
و في إثناء ذلك وفى المستشفى كان المعالج لديه حاله يقوم بعمل جلسه لها.
المعالج: لماذا أنت عابس؟
المريض: ولماذا أضحك، بل ماذا يدعو للسعاده فى الدنيا كلها؟
المعالج: أوصف لى ما تشعر به.
المريض: أشعر أن صدرى ينقبض مع كل نفس.
المعالج: ألديك شهية للطعام؟
المريض: إطلاقاً و أفقد وزنى بطريقة سريعة انا اشعر بالقلق لدرجة أننى لا أنام الليل و متوتر للغاية.
المعالج: ماذا عن ثقتك بنفسك؟
المريض: هههههه أضحكتنى لاول مره منذ فتره يادكتور، فلدى أرق متواصل و كوابيس رهيبه إذا داعب النوم جفونى يادكتور. أنا لما أعاقب طفل من أطفالى أكن فى منتهى القسوه ثم أجلس فى غرفة وحيداً أبكى كالأطفال لاحساسى بالذنب.
المعالج: أريدك أن تتفائل فأنت قابل للشفاء إذا كانت لديك الرغبة والإرادة.
المريض: انت متفائل. لقد فقدت حتى الرغبة فى الحياه وحاولت الإنتحار قبل شهرين وتقول لى رغبة فى الحياة أنت دكتور فاشل لا تفقه شئ.
و إهتاج المريض فدخلت الممرضه وتم إعطائه محقنا مهدئ، فلقد وصل إلى مرحلة خطيرة من المرض حيث أنه صادر مستعداً لإيذاء الآخرين و حتى نفسه وحضرت الإسعاف لنقله للمستشفى.
دخل المريض التالى وكان شاباً تبدو ملامح الثراء على ملابسه وجلس على الشيزلونج واضعاً علبة سجائر و قداحة فضية ومفتاح سياره المانية شهيره.
المعالج: من الواضح أن مشاكلك ليست ماديه.
المريض: بل سؤ إستعمال المال.
المعالج: كيف؟
المريض: أنا أنفق النقود بلا حساب واشترى أشياء كثيرة لا أحتاج لها ولا أقوم بإستعمالها.
المعالج: فقط؟
المريض: أقود بتهور تحت تاثير المخدرات والخمور، ولدى علاقات جنسيه غير مشروعه. لكن ليس هذا ما يخيفنى فقط.
المعالج: ماذا أيضاً؟
المريض: أنا متقلب المزاج فلا أحافظ على علاقاتى مع الناس، أما مع نفسى فأحياناً يرتابنى جنون العظمة وأحياناً أحتقر نفسى إلى الحد الذى يراودنى فيه الشعور بالإنتحار.
المعالج: لم تصل الأمور للإنتحار، يمكننا بدء العلاج.
المريض: أنا لن أحجز فى مستشفى لا اريد أحداً ان يشمت فى؟
المعالج: تحجز فى مستشفى أم تذهب إلى السجن؟
المريض: فليسامحنى الله ... وأخرج مسدساً من جرابه ووضعه فى فمه وأطلق النار وتناثر الدم على المكتب...
بعد إنتهاء معاينة الشرطة للعياده ورفع الجثه وإستجواب المعالج ذهب المعالج إلى منزله منهار الأعصاب شاحباً كالموتى من هول ما رآه حيث كان مشهد رأس المريض وهو ينفجر أمامه محطماً لنفسيته بل ساحقاً لها.
دق جرس الهاتف فى بيت المعالج.
المعالج: ألو من معى؟
الاخ: أنا اخوك ياباشا؟
المعالج: ما القصة؟
الاخ: مصيبه.
المعالج: هل سقط السقف على رأس زوجتك؟ لا اظنك ستحزن.
الاخ: ليت السقف يسقط عليها وأكون خارج المنزل لكنها أصبحت غير مهتمة بى إطلاقاً، كاذبه، غير إجتماعية، عدوانية و الأسواء من ذلك إنها لا تشعر بأى ذنب، كما أن حماتى العزيزه قد أخبرتى أن المحروسه بنتها قبل ما أتدبس فيها كانت تعانى من إضطراب وجدانى فى سن الـخمس عشر ، أعمل ايه فى حل؟
المعالج: أكيد فى حل أكيد وسريع ومريح.
الأخ: ايه هو؟
المعالج: أقتل زوجتك و حماتك.
يسميه بعض علماء النفس ( سرطان النفس).
د. سامح هدهود