مُقَدِّمَةٌ…
إِلَى مَنْ أَلْقَتْ لَهُ الْأَقْدَارُ بِأَوْرَاقِي تِلْكَ فِي يَوْمٍ مَا…
لَا أَدْرِي كَمْ مِنَ الْأَعْوَامِ قَدْ وَلَّتْ مُنْذُ كِتَابَتِي لِتِلْكَ السُّطُورِ حَتَّى قَرَأْتَهَا، تِلْكَ الْأَسْطُرُ الَّتِي وَصَفَتْ هَذِهِ الْأَحْدَاثَ الَّتِي بَدَّلَتْ كُلَّ شَيْءٍ فِي حَيَاتِي لِلْأَبَدِ، أَحْدَاثٌ تَتَّخِذُ مِنْ حَيَاتِي سَكَنًا لِعِلَّةٍ مَا لَمْ أَكُنْ لِأَدْرِكَهَا قَطُّ قَبْلَ أَنْ تَخُطَّ يَدَايَ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ…
أَحْدَاثٌ قَدْ شَقَّتْ طَرِيقَهَا إِلَيَّ مِنْ عِدَّةِ أَزْمِنَةٍ وَأَبْعَادٍ مُخْتَلِفَةٍ وَاقْتَحَمَتْ حَيَاتِي دُونَ إِذْنٍ…
لِلْأَيَّامِ حِكَايَتُهَا وَلِلْأَقْدَارِ هَيْبَتُهَا…هَذَا مَا وَعَيْتُ وَلِعُمْقِهِ قَدْ أَيْقَنْتُ…
مُنْذُ كُنْتُ أَظُنُّ نَفْسِي مِحْوَرَ الْكَوْنِ ذَاتِهِ حَتَّى أَدْرَكْتُ إِنَّنِي لَا أَلْعَبُ سَوْيَ دَوْرًا صَغِيرًا يَكَادُ لَا يُذْكَرُ فِي لُعْبَةِ الْأَقْدَارِ، عِنْدَهَا فَقَطْ أَيْقَنْتُ أَنَّنِي أَنَا الْكَوْنُ كُلُّهُ، رُبَّمَا كَوْنٌ وَاحِدٌ وَسَطَ أَكْوَانٍ مُوَازِيَةٍ أَوْ حَتَّى لَرُبَّمَا وَسَطَ أَحْزِمَةٍ مِنَ الْأَكْوَانِ الْمُتَرَاصَّةِ تَمَامًا كَأَحْزِمَةِ الْمَجَرَّاتِ الَّتِي تَهِيمُ بِلا بِدَايَةٍ وِبِلا نِهَايَةٍ مَعْلُومَةٍ بِذَلِكَ الْكَوْنِ الْمَرْئِيِّ الَّذِي نَعْرِفُهُ حَتَّى الْآنِ….رُبَّمَا…
أَذْكُرُ قِصَّةً قَدْ سَمِعْتُهَا يَوْمًا مَا مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ عَنْ ذَلِكَ الْمُغَامِرِ الَّذِي ارْتَحَلَ بِآلَةِ الزَّمَنِ إِلَى حِقْبَةٍ بَعِيدَةٍ فِي تَارِيخِ الْكَوْكَبِ قَبْلَ مَلَايِينَ مَلَايِينَ السِّنِينَ عِنْدَمَا كَانَ الْكَوْكَبُ لَازَالَ بَدَائِيًّا وَفَتِيًّا…
كَانَ الْقَانُونُ وَاضِحًا…لَا تُحَاوِلْ تَغْيِيرَ أَيِّ شَيْءٍ…لَا تُخْتَرِقْ ذَلِكَ التَّابُو الْمُقَدَّسَ…لَا تُحَاوِلِ الْعَبَثَ مَعَ الزَّمَانِ…رَجَاءً…لَا تَفْتَحِ الصُّنْدُوقَ…
قَدْ حَافَظَ عَلَى الْعَهْدِ، لَكِنَّهُ فَقَطْ قَدْ دَاسَ جِذْعَ شَجَرَةٍ صَغِيرٍ مُلْقًى عَلَى الْأَرْضِ فِي تِلْكَ الْعُصُورِ السَّحِيقَةِ فَلَمَّا عَادَ إِلَى زَمَانِهِ وَجَدَ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ تَبَدَّلَ تَمَامًا، لَمْ يَعُدْ هُوَ ذَلِكَ الْعَالَمَ الَّذِي ارْتَحَلَ مِنْهُ وَأَتَى فَلَمْ يَجِدْهُ…
إِنَّ كَسْرَ ذَلِكَ الْغُصْنِ الصَّغِيرِ قَدْ أَحْدَثَ سِلْسِلَةً هَائِلَةً مِنَ الْأَحْدَاثِ وَرُدُودِ الْأَفْعَالِ لَا يُدْرِكُهَا الْعَقْلُ عَبْرَ تَارِيخِ الْكَوْكَبِ فَأَبْدَلَتْ مَا نُطْلِقُ عَلَيْهِ الْيَوْمَ… الْوَاقِعَ…تَرَى!!! هَلْ قُمْتُ أَنَا أَيْضًا بِدَهْسِ ذَلِكَ الْغُصْنِ!!! رُبَّمَا….
أَيُّهَا النَّابِشُ بِمُذَكِّرَاتِي…
أَخْبِرْهُمْ أَنِّي قَدْ تَعَلَّقْتُ بِقَدَرِي رَغْمَ الِانْجِرَافِ…إِنَّنِي قَدْ رَضِيتُ بِمَصِيرِي دُونَ اعْتِرَافٍ…أَزَلْتُ حُدُودَ الْمَعْقُولِ لِصَالِحِ الْمَجْهُولِ…قَدْ صَعِدْتُ أَعْلَى النَّهْرِ قَاصِدَةً مَنْبَعَهُ…أَتْبَعْتُ ضَوْءَ نَجْمٍ قَدْ تَلَاشَى وَتَبَعْثَرَ قَبْلَ مِلْيَارَاتِ السِّنِينَ الضَّوْءَ مِنْ أَجْلِ…مِنْ أَجْلِ مَاذَا!!!
هَلْ غَمَرَ الْفَضُولُ الْبِيدَاءَ الْبِكْرَ!!!
هَلْ تَغَنَّى سِتْرُ اللَّيْلِ الْمَسْدُولُ!!!
أَلْمَاءُ قَدِ اشْتَاقَ عَطَشَ الْحُقُولِ!!!
قَدْ حَكَوْا عَنْ هِرٍّ قَتَلَهُ الْفَضُولُ…
وَتَجَاهَلُوا رِوَايَةَ آخَرَ اقْتَحَمَ فَعَادَ مَجْبُورًا…
وَثَالِثٍ نَسَجَ مِنَ الصَّمْتِ مَا أَسْكَرَ الْعُقُولَ…
انْقَسَمُوا بَيْنَ خَائِفٍ وَمُتَمَرِّدٍ مُقْتَحِمِ الْفَضُولِ…
فَهَلَكَ مُذْعُورُهُمْ عَطَشًا وَأُمْطِرَتْ لِثَانِيهِمْ بِكُلِّ الْفُصُولِ…
فَآثَرْتُ الْمَطَرَ عَسَى أَنْ يَرَوْا قِصَّتِي يَوْمًا وَهُمْ يَرْتَادُونَ الْبُحُورَ…
أَيُّهَا الْجَائِلُ بَيْنَ تَلَابِيبِ أَفْكَارِي…
أَخْبِرْهُمْ إِنَّنِي قَدْ قَبِلْتُ التَّحَدِّيَ، أَنَّنِي قَدْ سَئِمْتُ الْمَعْقُولَ وَمِلْتُ الْمَفْهُومَ…
أَخْبِرْهُمْ أَنَّنِي قَدْ صَاحَبْتُ الْمَجْهُولَ مُنْذُ أَنْ ضَاقَتْ بِالنَّاسِ الْعُقُولُ… عُقُولٌ لَمْ تَعُدْ قَادِرَةً عَلَى اسْتِعَابِي… عُقُولٌ قَدْ صَارَتْ أَضْحَلَ مِنَ اسْتِعَابِ الْكَوْنِ ذَاتِهِ…اسْتِعَابِي أَنَا….
أَخْبِرْهُمْ إِنَّنِي قَدِ اسْتَأْنَسْتُ بِالصَّمْتِ وَسَطَ الْلَامَكَانِ كَيْ أَجِدَنِي… رُبَّمَا أَجِدُنِي…رُبَّمَا…
أَخْبِرْهُمْ أَنَّنِي لَنْ أَلْجَأَ إِلَى السَّرْدِ الْمُعْتَادِ وَأُحَدِّثَهُمْ عَنْ مَحَطَّةِ الْقِطَارِ فِي الْقَاهِرَةِ فِي مَطْلَعِ الْأَلْفِيَّةِ الْجَدِيدَةِ وَعَنْ وَصْفِ شَوَارِعِ الْقَاهِرَةِ قَبْلَ عِشْرِينَ عَامًا…
أَخْبِرْهُمْ إِنَّنِي لَنْ أَقُصَّ عَلَيْهِمْ حَالَ سَائِقِ سَيَّارَةِ الْأُجْرَةِ الَّذِي قَامَ بِطَلَبِ ثَلَاثِينَ جِنْيَهًا مِنْ أَجْلِ الْقِيَامِ بِتَوْصِيلِي إِلَى هَضَبَةِ الْأَهْرَامِ، وَلَا عَنِ الْأَغَانِي الَّتِي كَانَتْ تَصْدُرُ مِنْ مِذْيَاعِ السَّيَّارَةِ…وَحِكَايَتَكْ إِيهْ… لِعَمْرَو دِيَابَ، وَلَا عَنْ أَفِيشَاتِ أَفْلَامِ (السُّفَارَةِ فِي الْعِمَارَةِ)…(أَبُو عَلِي)…وَذَلِكَ الْفِلْمُ الَّذِي يَحْوِي أُغْنِيَةً تَحْمِلُ ذَاتَ اسْمِهِ…(بَنَاتِ وَسَطِ الْبَلَدِ)…
رَجَاءً…لَا تُخْبِرْهُمْ أَنَّنِي قَدْ وَجَدْتُ الْعَدَدَ الْيَوْمِيَّ مِنْ جَرِيدَةِ الْأَهْرَامِ بِجَوَارِي فِي الْمَقْعَدِ الْخَلْفِيِّ لِلسَّيَّارَةِ، عَدَدٌ يَحْمِلُ مَانْشِيتًا بِعُنْوَانِ (خَمْسُونَ أَلْفَ جِنْيَهٍ الْحَدُّ الْأَقْصَى لِلدَّخْلِ) وَأَنَّ ثَمَنَ النُّسْخَةِ هُوَ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ قِرْشًا فَقَطْ لَا غَيْرَ…
لَا تُخْبِرْهُمْ أَنَّنِي فِي زَمَانٍ لَيْسَ بِبَعِيدٍ كَانَ فِيهِ الْجُنَيْهُ لَا يَزَالُ صَالِحًا لِلتَّقْسِيمِ وَأَنْ تُسْتَرَدَّ مِنْهُ بَاقِي أَيْضًا…
أَيْضًا…لَا تُصَدِّعْ رُءُوسَهُمْ عَنْ أَسْعَارِ السَّيَّارَاتِ بِتِلْكَ الْفَتْرَةِ…عِنْدَمَا كُنْتُ قَادِرَةً عَلَى شِرَاءِ سَيَّارَةٍ كُورِيَّةٍ (جَمِيعُ الْكَمَالِيَّاتِ) بِنَحْوِ خَمْسِينَ أَلْفًا مِنَ الْجِنِيهَاتِ، أَمَّا وَإِنْ كُنْتِ ثَرِيَّةً وَتُرِغْبِينَ فِي التَّمَيُّزِ فَأَنْتِ قَادِرَةٌ عَلَى شِرَاءِ سَيَّارَةٍ أَلْمَانِيَّةٍ فَاخِرَةٍ بِأَقَلَّ مِنْ مِئَتَيْ أَلْفٍ مِنَ الْجِنِيهَاتِ…
رَجَاءً…لَا تُخْبِرْهُمْ بِأَيٍّ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَيْ لَا تُشْعِلَ بَأَنْفُسِهِمْ لَهِيبَ الشَّوْقِ إِلَى الْمَاضِي وَلَا يَسْتَطِيعُونَ إِطْفَاءَهُ…
فَقَطْ أَخْبِرْهُمْ إِنَّ السَّيَّارَةَ قَدْ وَصَلَتْ إِلَى هَضَبَةِ الْأَهْرَامَاتِ وَكَفَى…وَأَنَّنِي قَدْ أَعْطَيْتُ السَّائِقَ خَمْسِينَ جِنْيَهًا بِأَكْمَلِهَا… خَمْسُونَ جِنْيَهًا مَنْقُوشًا عَلَيْهَا عِبَارَةُ الْبَنْكِ الْمَرْكِزِيِّ الْمَصْرِيِّ وَكَفَى…
الْجَبَّارُ…
هَضَبَةُ الْأَهْرَامَاتِ مَرَّةً أُخْرَى…لَا أَذْكُرُ تَحْدِيدًا مَتَى كَانَتِ الْمَرَّةُ الْأَخِيرَةُ الَّتِي زُرْتُ فِيهَا هَذَا الْمَكَانَ..أَمْ لَعَلَّهَا كَانَتِ الْأُولَى وَالْأَخِيرَةُ فِي آنٍ وَاحِدٍ!!! تَتَرَاكَمُ عَلَى أَرْفُفِ ذَاكِرَتِي أَتْرِبَةٌ كَثِيرَةٌ تَحْجِبُ الذَّاكِرَةَ، أَكْثَرَ مِنْ تِلْكَ الَّتِي تُغَطِّي مُومِيَاءَ أَمْنِحُوتِبَ الرَّابِعِ مُنْذُ آلَافِ السِّنِينَ لَوْ كَانَ هُنَاكَ رَابِعٌ…
يَعْتَقِدُ الْكَثِيرُونَ مِنَ السَّائِحِينَ إِنَّنَا نَقُومُ بِزِيَارَةِ الْأَهْرَامَاتِ بِعُطَلَاتِ نِهَايَةِ الْأُسْبُوعِ غَيْرَ مُدْرِكِينَ إِنَّ مُعْظَمَنَا لَمْ يُشَاهِدْهَا إِلَّا عَبْرَ شَاشَةِ التِّلْفَازِ أَوْ عَبْرَ نَافِذَةِ السَّيَّارَةِ وَأَثْنَاءَ ارْتِحَالِنَا شَمَالًا وَجَنُوبًا عَبْرَ الطُّرُقِ الصَّحْرَاوِيَّةِ الْغَرْبِيَّةِ مُرُورًا بِهَضَبَةِ الْأَهْرَامَاتِ…يَا لِلْعَجَبِ…
أَخْطُو بِخُطًى فَرِحَةٍ، خُطًى صَغِيرَةٍ قَدْ أَتَتْ مِنْ مَكَانٍ مَا بَعِيدٍ بِرِفْقَةِ رُفَقَائِهَا فِي رِحْلَةٍ مَدْرَسِيَّةٍ مِنْ أَجْلِ زِيَارَةِ مَعَالِمِ الْقَاهِرَةِ…
أَخْطُو – أَجُولُ مُتَأَمِّلَةً مَا دُونَ الْمَشْهَدِ – أَذْكُرُ مَشْهَدَ آدَمَ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِأَغْلَالٍ حَدِيدِيَّةٍ أَسْفَلَ الْأَهْرَامَاتِ…لَكِنْ أَيْنَ!!! عَلَيَّ فَقَطْ بِالِاسْتِمْرَارِ فِي السَّعْيِ عَسَى أَنْ أُدْرِكَ شَيْئًا مَا…
مَرَّ كَثِيرٌ مِنَ الْوَقْتِ وَبَدَأَتِ الشَّمْسُ فِي رِحْلَتِهَا الْيَوْمِيَّةِ الْأَبَدِيَّةِ نَحْوَ الْمَغِيبِ. غُرُوبٌ دَائِمٌ عَبْرَ سَمَاءِ الْكَوْكَبِ، غُرُوبٌ هُنَا وَشُرُوقٌ فِي مَكَانٍ آخَرَ…غُرُوبٌ هُنَا وَآخَرُ بَعْدَ سَاعَةٍ هُنَاكَ وَكَانَ قَبْلَ بِضْعِ سَاعَاتٍ فِي مَكَانٍ آخَرَ قَدْ شَاهَدَهُ أَحَدُهُمْ…
أَبَدًا لَمْ يَكَلَّ وَلَنْ يَمَلَّ ذَلِكَ الْكَوْكَبُ الْأَزْرَقُ الْجَمِيلُ عَنِ الدَّوَرَانِ حَوْلَ نَجْمِهِ إِلَى أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ…
أَجْلِسُ مُفْتَرِشَةً تِلْكَ الصَّخْرَةَ أَتَأَمَّلُ الْغُرُوبَ، أُرَاقِبُ عَبَاءَةَ اللَّيْلِ تُسَدِّلُ نَفْسَهَا عَلَى أَحْدَاثِ ذَلِكَ الْيَوْمِ إِلَى الْأَبَدِ…يَوْمًا سَيُصْبِحُ ذِكْرَى لِأَحَدِهِمْ يَوْمًا مَا…ذِكْرَى قَدْ وَلَّتْ بِلَا رَجْعَةٍ…
هُنَاكَ…فِي الْأُفُقِ أَخَذَتْ تَتَلَامَعُ ثَلَاثَةُ نُجُومٍ…مِنَ الشَّرْقِ إِلَى الْغَرْبِ…نُجُومُ (النِّطَاقِ، النِّيلَامِ، الْمَنْقُوطَةِ)…تَتَأَلَّقُ مُتَعَامِدَةً فَوْقَ قِمَّةِ الْأَهْرَامَاتِ الثَّلَاثَةِ…خُوفُو، خَفْرَعَ وَمَنْكَعُرَعَ عَلَى التَّوَالِي…
إِنَّهَا نُجُومُ الْجَبَّارِ…حِزَامُ أُورِيُونَ…
أُورِيُونُ هُوَ حِزَامُ نُجُومِ سُدِيمِ الْجَبَّارِ الَّذِي يُرَبِطُهُ الْفَلَكِيُّونَ بِبُرْجِ الْأَسَدِ…
أُورِيُونُ أَوِ الْجَبَّارُ هُوَ شَخْصِيَّةٌ مَرْكَزِيَّةٌ فِي الْأَسَاطِيرِ الْيُونَانِيَّةِ حَيْثُ كَانَ يُعْرَفُ بِأَنَّهُ صَيَّادٌ عِمْلَاقٌ يَتَمَتَّعُ بِقُوَّةٍ وَشَجَاعَةٍ هَائِلَةٍ…
وَفْقًا لِلْعَدِيدِ مِنَ الرِّوَايَاتِ، لَقِيَ أُورِيُونُ نِهَايَتَهُ الْمَأْسَاوِيَّةَ، حَالُهُ كَحَالِ كُلِّ الْأَبْطَالِ الْإِغْرِيقِيِّينَ، إِمَّا بِسَبَبِ كِبْرِيَائِهِ أَوْ بِسَبَبِ غَضَبِ الْآلِهَةِ وَمِنْ ثُمَّ تَمَّ عِقَابُهُ وَتَخْلِيدُهُ فِي السَّمَاءِ عَلَى شَكْلِ كَوْكَبَةٍ مِنَ النُّجُومِ…
أُورِيُونُ عَلَى حَسَبِ الْمِيثِيُولُوجِيَا الْإِغْرِيقِيَّةِ هُوَ صَائِدُ الْعِمَالِقَةِ وَقَدْ عَرَفَهُ الْمَصْرِيُّونَ الْقُدَمَاءُ بِاسْمِ (سَاهْ)، حَتَّى إِنَّهُمْ قَامُوا بِإِنْشَاءِ الْأَهْرَامَاتِ عَلَى مُحَاذَاةِ نُجُومِ الْجَبَّارِ الثَّلَاثَةِ…النِّطَاقِ، النِّيلَامِ وَالْمَنْقُوطَةِ…
هَلْ كَانَتْ تِلْكَ الْأَهْرَامَاتُ الْعَظِيمَةُ مَرْصَدًا فَلَكِيًّا يَوْمًا مَا!!! أَمْ إِنَّهَا كَانَتْ مَحَطَّاتٍ عَمْلَاقَةً لِتَوْلِيدِ الطَّاقَةِ فِي زَمَنٍ سَحِيقٍ!!! أَتَعَجَّبُ لِبَعْضِ السُّذَّجِ مِنْ سُكَّانِ هَذَا الْكَوْكَبِ الْبَائِسِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ إِنَّهَا فَقَطْ مُجَرَّدُ مَقَابِرَ لِلْمُلُوكِ الْعِظَامِ وَإِنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَهَا دُونَ أَدْنَى شَكٍّ…
لَسْتُ أَعْتَقِدُ أَنَّ الْفَرَاعِنَةَ كَانُوا بِتِلْكَ السَّذَاجَةِ عَلَى أَيِّ حَالٍ.. عُمُومًا أَنَا لَسْتُ مُلْزَمَةً كَبَطَلَةٍ جَدِيدَةٍ هُنَا بِأَنْ أَرْوِيَ كُلَّ شَيْءٍ فِي كُلِّ مَرَّةٍ…هَذِهِ وَظِيفَةُ الْمُؤَلِّفِ عَلَى مَا أَعْتَقِدُ…مَاذَا!!! سَيَقُومُ بِخَفْضِ رَاتِبِي إِنْ لَمْ أَقُصَّ كَمَا يُرِيدُ!!! إِنَّهَا سَيْطَرَةُ رَأْسِ الْمَالِ كَمَا تَرَوْنَ…
رُبَّمَا اسْتَطِعْتُ التَّوَصُّلَ إِلَى حَلٍّ يُرْضِي جَمِيعَ الْأَطْرَافِ مَعَ الْمُؤَلِّفِ… عَزِيزِي الْقَارِئُ فَضْلًا قُمْ بِمُرَاجَعَةِ رِوَايَتِي (لِقَاءٌ عَلَى أَرْضِ الْفَيْرُوزِ) وَ (حُبٌّ عَبْرَ الْمَجَرَّةِ) بِأَجْزَائِهِمَا حَتَّى تَعْرِفَ أَكْثَرَ عَنْ تَارِيخِ الْأَهْرَامَاتِ – مِنْ وَجْهَةِ نَظَرِ الْكِتَابِ بِالطَّبْعِ – وَلِأَنَّنِي لَا أَمْلِكُ الْكَثِيرَ مِنَ الصَّبْرِ نِيَاهَاهَاهَاهَا
وَكَعَادَتِي الْأَبَدِيَّةِ…كُلُّ تِلْكَ الْإِثَارَةِ تُشْعِرُنِي بِالْجُوعِ، مِنْ حُسْنِ الْحَظِّ إِنَّ لَدَيَّ بَعْضَ الشَّطَائِرِ بِحَقِيبَةِ الظَّهْرِ خَاصَّتِي…وَالْآنَ فَلْنُقِمْ بِإِفْرَاغِ مُحْتَوَيَاتِهَا مِنْ أَجْلِ…
يَا رَبَّاهِ…
مَاذَا حَدَثَ!!!!
الْأَمْرُ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى تِلْكَ الصَّدْمَةِ فَقَطْ…قَدْ رَأَيْتُ وَمِيضًا…وَمِيضًا رَمَادِيَّ اللَّوْنِ، وَمِيضٌ كَوَمِيضِ التِّلْفَازِ حِينَ يَتَوَقَّفُ الْبَثُّ… تِلْكَ الْحُبُوبُ الرَّمَادِيَّةُ الَّتِي لَا تَتَوَقَّفُ عَنِ الْحَرَكَةِ وَإِحْدَاثِ الْأَزِيزِ….شَشَشَشَشَشَشَ…
مَاذَا كَانَ هَذَا يَا تُرَى!!!
الْمَشْهَدُ مِنْ حَوْلِي قَدْ تَبَدَّلَ جُذْرِيًّا… كُلُّ شَيْءٍ قَدْ تَغَيَّرَ بِشَكْلٍ مُعْجِزٍ…
إِنَّنِي أَرَى مَا يُشَبِّهُ فِيلْمًا وَثَائِقِيًّا يُعْرَضُ عَلَى شَاشَةٍ ثُلَاثِيَّةِ الْأَبْعَادِ…كَلَّا… إِنَّهَا رُبَاعِيَّةٌ… خُمَاسِيَّةُ الْأَبْعَادِ… إِنَّهَا لَا مُتَنَاهِيَةُ الْأَبْعَادِ…أَشْعُرُ بِكُلِّ شَيْءٍ…بَلْ إِنَّنِي حَتَّى أَشْتَمُّ تَارِيخَ الْمَكَانِ…
أَرَى ذَاتَ الْمَكَانِ، لَكِنْ قَبْلَ عُهُودٍ سَحِيقَةٍ…قَبْلَ عَشَرَاتِ الْآلَافِ مِنَ السِّنِينَ… رُبَّمَا ثَلَاثُونَ… رُبَّمَا أَرْبَعُونَ أَلْفَ عَامٍ مَضَتْ…أَرَى حِقْبَةً يُطْلِقُ عَلَيْهَا الْبَعْضُ…عُصُورَ مَا قَبْلَ الْأُسَرَاتِ…لَا تَسْأَلْنِي كَيْفَ عَرَفْتُ…أَنَا فَقَطْ أَعْرِفُ…لِأَنَّنِي بِبَسَاطَةٍ…هُنَاكَ…
أَرَى الْخُضْرَةَ وَالْأَشْجَارَ فِي كُلِّ حَدَبٍ وَصَوْبٍ…الْأَنْهَارَ… الطُّيُورَ…
أَرَى ثَلَاثَةَ جِبَالٍ شَاهِقَةٍ تُنَاطِحُ السَّمَاءَ…
أَرَى أُنَاسًا تَسْكُنُ سُفُوحَ تِلْكَ الْجِبَالِ…
أَرَى الْأَعْوَامَ تَمُرُّ وَتَمْضِي سَرِيعًا وَأَعْدَادُ النَّاسِ تَتَزَايَدُ وَتَتَزَايَدُ…
أَرَاهُمْ يَسْكُنُونَ الْجَبَلَ الْأَوَّلَ صُعُودًا حَتَّى شَارَفُوا قِمَّتَهُ…
أَرَى حَضَارَةً مَهِيبَةً وَتِكْنُولُوجِيَا مِنْ عَالَمٍ آخَرَ…أَرَى الْجَبَلَ وَقَدِ اكْتَظَّ عَنْ آخِرِهِ بِالْخَلْقِ وَلَمْ يَعُدْ بِهِ مَوْضِعُ قَدَمٍ…
أَرَى مَجْمُوعَةً مِنَ النَّاسِ تَرْتَحِلُ إِلَى الْجَبَلِ الثَّانِي وَتَسْتَعْمِرُهُ… تَمُرُّ أَعْوَامٌ وَأَعْوَامٌ وَالْحَضَارَةُ تَزْدَهِرُ أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ…
أَرَى أُنَاسًا مِنْ سَاكِنِي الْجَبَلِ الثَّانِي يَرْتَحِلُونَ إِلَى الْجَبَلِ الثَّالِثِ مُكَرِّرِينَ نَفْسَ ذَاتِ فِعْلَتِهِمْ…
أَرَى السِّنِينَ تَمْضِي سَرِيعًا وَكَأَنَّ التَّارِيخَ يُلَاحِقُهَا…وَكَأَنَّهُ قَدْ صَارَتْ لَهُ شَهِيَّةٌ مُفْزِعَةٌ لِلتَّدْوِينِ…أَرَى سُكَّانَ الْجِبَالِ الثَّلَاثَةِ يَحْفِرُونَ أَنْفَاقًا ضَخْمَةً تُرَبِّطُ الْجِبَالَ بَعْضَهَا بِالْبَعْضِ…أَنْفَاقٌ لَا يُدْرِكُهَا غَيْرُهُمْ…أَنْفَاقٌ قَادِرَةٌ عَلَى ابْتِلَاعِ حَضَارَاتٍ بِأَكْمَلِهَا…
أَرَى أَنْفَاقًا قَدْ جَعَلُوا لِمَدْخَلِهَا فَتْحَةً أَسْفَلَ كُلِّ جَبَلٍ، فِي أَسْفَلِ مُنْتَصَفِ الْجَبَلِ تَحْدِيدًا…فَتَحَاتٌ قَدْ جَعَلُوا لَهَا مَنْفَذًا مِنْ قِمَّةِ الْجَبَلِ ذَاتِهَا…أَنْفَاقٌ رَاسِيَةٌ تَتَقَاطَعُ مَعَ أُخْرَى عَمُودِيَّةٌ…
أَنْفَاقٌ لَهَا قَاعِدَةٌ عَرِيضَةٌ جِدًّا تَضِيقُ تَدْرِيجِيًّا كُلَّمَا اتَّجَهَتْ صَوْبَ الْقِمَّةِ حَيْثُ يَعْتَلِيهَا سَطْحٌ مُدَبَّبٌ…سَطْحٌ هَرَمِيُّ الشَّكْلِ…
يَا خَالِقَ السَّمَاوَاتِ… أَتَذَكَّرُ تِلْكَ الصُّورَةَ…صُورَةٌ تُوَصِّفُ الْأَهْرَامَاتَ وَكَأَنَّهَا رُءُوسُ مَسَلَّاتٍ عَظِيمَةٍ مَغْمُورَةٌ فِي أَعْمَاقِ أَعْمَاقِ الْأَرْضِ…هَلْ يَعْقِلُ هَذَا!!!
يَا رَبَّاهِ…مَاذَا عَنْ تِلْكَ الْأَنْفَاقِ!!! قَدْ قَرَأْتُ فِي وَقْتٍ لَيْسَ بِبَعِيدٍ عَنِ اكْتِشَافِ أَنْفَاقٍ تَحْتَ تِمْثَالِ أَبِي الْهَوْلِ…الْحَارِسُ الْأَبَدِيُّ لِهَضَبَةِ الْأَهْرَامَاتِ…
لَاتَزَالُ السِّنُونَ تَمْضِي بِسُرْعَةٍ مُخِيفَةٍ…أَرَى الْمَاءَ يَأْتِي مِنْ كُلِّ حَدَبٍ وَصَوْبٍ….أَرَى طُوفَانًا عَظِيمًا يَبْتَلِعُ كُلَّ شَيْءٍ بِلَا هَوَادَةٍ
وَتَمْضِي سِنُونَ وَسِنُونَ كَثِيرَةٌ وَتَبْتَلِعُ الْأَرْضُ مَاءَهَا، لَكِنَّ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ كَمَا كَانَ…
قَدْ تَصَحَّرَتْ تِلْكَ الْجِنَانُ الْخُضْرَاءُ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ أَثَرٍ بَعْدَ عَيْنٍ سِوَى…
رُءُوسِ الْمَسَلَّاتِ الثَّلَاثَةِ…
النِّدَاءُ…
قَدْ عَادَ كُلُّ شَيْءٍ كَمَا كَانَ، وَمِنْ جَدِيدٍ أَتَى أَجْلِسُ عَلَى تِلْكَ الصَّخْرَةِ الْقَاعِدَةِ وَسَطَ هَضَبَةِ الْأَهْرَامَاتِ… رُءُوسِ الْمَسَلَّاتِ الثَّلَاثَةِ الْعَمْلَاقَةِ… أَجْلِسُ مُسْتَغْرِفَةً فِي تَأَمُّلِ نُجُومِ الْجَبَّارِ… حِزَامِ أُورِيُونَ… أَمْ إِنَّهَا مَنْ تَرْقُبُنِي!!!!
الْخَاتَمُ… الْخَاتَمُ يَتَأَلَّقُ مِنْ جَدِيدٍ… يَتَوَهَّجُ بِشِدَّةٍ… الْأَرْضُ تَهْتَزُّ بِعُنْفٍ مِنْ تَحْتِ قَدَمَيَّ… الصَّخْرَةُ الْقَاعِدَةُ تَحْتِي تَنْهَارُ وَكَأَنَّهَا تَذُوبُ… تَعُودُ إِلَى هَيْئَتِهَا الْأَصْلِيَّةِ… حَبَّاتُ رِمَالٍ…
أَنَا أَغُوصُ فِي أَعْمَاقِ الْأَرْضِ… لَسْتُ أُدْفَنُ تَحْتَ الرِّمَالِ، لَكِنَّهَا تَنْزَاحُ مِنْ حَوْلِي خَالِقَةً مَدَارًا حَلَزُونِيَّ الشَّكْلِ يَجْرُفُنِي بِقُوَّةٍ صَوْبَ الْعُمْقِ…
يَا رَبَّاهِ… لَقَدْ سَقَطْتُ مِنْ سَقْفِ هَيْكَلٍ مَا مَشِيدٍ فِي الْعُمْقِ، سَقَطْتُ فِي قَاعَةٍ ضَخْمَةٍ مُتَرَامِيَةِ الْأَطْرَافِ، قَاعَةٍ دَائِرِيَّةٍ ذَاتِ فَتْحَاتٍ عَدِيدَةٍ فِي جَوَانِبِهَا، فَتْحَاتٍ تُؤَدِّي إِلَى… أَنْفَاقٍ…
إِنَّهُ هُنَاكَ… آدَمُ… آدَمُ كَمَا رَأَيْتُهُ فِي حُلْمِي… شَابًّا فِي الْعِشْرِينَيَّاتِ مِنَ الْعُمْرِ بَيْنَمَا كَانَ لَا يَزَالُ طِفْلًا ذَا خَمْسٍ بِالْأَمْسِ الْقَرِيبِ… أَرَاهُ مُقَيَّدًا إِلَى سَلَاسِلَ مَعْدِنِيَّةٍ هُنَا تَحْتَ أَعْمَاقِ سَفْحِ الْأَهْرَامَاتِ…
– قَدْ أَتَيْتِ أَخِيرًا…
دَوَّى هَذَا الصَّوْتُ فِي الْقَاعَةِ… لَكِنْ… لَكِنَّ آدَمَ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْمُتَحَدِّثَ…
الْتَفَتَّ خَلْفِي صَوْبَ مَصْدَرِ الصَّوْتِ… وَوَجَدْتُهُ فِي انْتِظَارِي… الْحَارِسُ الْأَوَّلُ…
– كُنْتُ بِانْتِظَارِكِ… لَمْ تُخَيِّبِي ظَنِّي يَا فَتَاةُ…
– لَا عَلَيْكَ، أَنَا مَعَكَ حَتَّى النِّهَايَةِ…
– أَيَّ نِهَايَةٍ تَقْصِدِينَ!!!
– تِلْكَ الَّتِي سَأَكْتُبُهَا أَنَا…
– هَاهَ هَاهَ هَاهَ… إِنَّكِ مُتَفَائِلَةٌ جِدًّا… يُعْجِبُنِي طُمُوحُكِ…
– جَرِّبْنِي… لَكِنْ أَلَا تَدِينُ لِي بِبَعْضِ التَّفْسِيرَاتِ!!!
– أَهِي رَغْبَتُكِ الْأَخِيرَةُ!!!
– قُلْتُ لَكَ أَنَا مَنْ سَوْفَ يَكْتُبُ النِّهَايَةَ…
– لَا بَأْسَ، تَمَتَّعِي بِفُرْصَتِكِ كَسَابِقِيكَ، لَكِنَّ النِّهَايَةَ مَكْتُوبَةٌ مِنْ قَبْلِ الْبِدَايَةِ… هَاتِي سُؤَالَكِ…
– لِمَاذَا تَفْعَلُ هَذَا بِهِ!!! آدَمُ…
– قَدْ حَاوَلَ إِيقَافَ الْمَشْرُوعِ… وَأَعْطَاكِ مَا لَا يَمْلِكُ…
– أَيُّ مَشْرُوعٍ!!! وَمَا هِيَ تِلْكَ الْأَشْيَاءُ الَّتِي لَا يَمْلِكُ!!!
– سَأَبْدَأُ بِالْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ سُؤَالِكِ… الْوَرْدَةُ الْجُورِيَّةُ، الْخَاتَمُ وَالْكِتَابُ… الْمَفَاتِيحُ… مَفَاتِيحُ حِزَامِ أُورِيُونَ الْجَبَّارِ…
– يَا إِلَهِي… تَقْصِدُ إِنَّهُمْ مَفَاتِيحُ نُجُومِ الْجَبَّارِ!!!
– بَلَى، مَفَاتِيحُ بَوَّابَاتِ الْأَبْعَادِ الَّتِي تَصِلُنَا بِهِمْ… إِنَّهَا مَفَاتِيحُ الْقُوَّةِ الْمُطْلَقَةِ… مَفَاتِيحُ كُنُوزِ الْكَوْنِ ذَاتِهِ…
– وَمَاذَا عَنْ إِجَابَةِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ سُؤَالِي!!!
– الْغَزْوُ… سَنَحْكُمُ الْعَالَمَ مِنْ هُنَا… مِنْ أَعْمَاقِ الْأَهْرَامَاتِ…
– أَنْتُمْ!!! وَمَنْ أَنْتُمْ!!!
– نَحْنُ… نَحْنُ مَنْ كَرِهْنَا هَذِهِ الْأَرْضَ وَرَغِبْنَا بِهَا… نَحْنُ الْحُكَّامُ الْأُولَى بِهَذِهِ الْأَرْضِ… نَحْنُ مَنْ رَغِبْنَا خَيْرَهَا عَبْرَ الْعُصُورِ… دَعِينِي أُقَدِّمُ لَكِ…
وَأَشَارَ بِيَدِهِ نَاحِيَةَ النَّفَقِ الْأَوَّلِ الَّذِي أَضَاءَ كَاشِفًا عَنْ… عَنْ جَيْشٍ جَرَّارٍ… وَاتَّبَعَ قَائِلًا…
– الْمَلِكُ (خَامُودِي)… مَلِكُ الْهِكْسُوسِ… الْفِرْعَوْنُ الْأَخِيرُ الْأُسْرَةِ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ، مَنْ حَكَمَ مِصْرَ عَامَ 1540 ق.م.
وَكَرَّرَ فِعْلَتَهُ مَعَ النَّفَقِ الثَّالِثِ…
– جَيْشُ كُوشَ النُّوبِيَّةِ، وَقَائِدُهُ الْفِرْعَوْنُ النُّوبِيُّ الْأَخِيرُ (طَاهَرْقَا)… آخِرُ مُلُوكِ النُّوبَةِ 664 ق.م.
– وَمِنَ النَّفَقِ الرَّابِعِ… أُقَدِّمُ لَكِ جَيْشَ كَنْعَانَ… تَحْتَ قِيَادَةِ الْمَلِكِ (يُوشِيَا)… 609ق.م.
– وَأَخِيرًا… الْمَلِكُ (خَاتُوشِيلِي) قَائِدُ جَيْشِ الْحِثِّيِّينَ وَجَيْشِهِ الْجَرَّارِ… وَالْآنَ… قَدْ عَرَفْتِ إِجَابَةَ جُزْءِ سُؤَالِكِ أَيَّتُهَا الْأَخِيرَةُ… وَالْآنَ سَتَشْهَدِينَ إِعَادَةَ كِتَابَةِ التَّارِيخِ… تَارِيخِنَا…
– كُلُّ هَذَا جَمِيلٌ… أُهَنِّئُكَ عَلَى الْمَجْهُودِ الرَّائِعِ…. لَكِنْ!!! أَتَدْرِكُ مَا هِيَ مُشْكِلَتُكَ يَا هَذَا!!!
– سَأَكُونُ مُمْتَنًّا لِلْغَايَةِ إِنْ أَخْبَرْتِينِي بِهَا… لَعَلَّهَا تُحَسِّنُ نَتِيجَةَ خُطَّتِي…
– مُشْكِلَتُكَ إِنَّكَ أَحْمَقُ… أَحْمَقُ كَبِيرٌ…
– مَاذَا!!! كَيْفَ تَجْرُؤِينَ!!!
– لِمَ قَدِ اشْتَعَلَ وَجْهُكَ غَضَبًا هَكَذَا!!! هَلْ سَتَقُومُ بِتَحْنِيطِي عِقَابًا لِي!!!
– تُبْدُو الْفِكْرَةُ مُثِيرَةً لِلِاهْتِمَامِ…
– أَنْتَ بِالتَّأْكِيدِ تَتَسَاءَلُ عَنْ سَبَبِ نَعْتِي لَكَ بِالْأَحْمَقِ الْكَبِيرِ… أَنْتَ قُمْتَ بِالْفِعْلِ بِجَمْعِ خَمْسَةِ جُيُوشٍ جَرَّارَةٍ عَتِيدَةٍ… خَمْسَةٍ مِنْ أَكْبَرِ الْجُيُوشِ فِي التَّارِيخِ الْقَدِيمِ… لَكِنَّهَا جَمِيعُهَا جُيُوشٌ مَهْزُومَةٌ… جَمِيعُهَا تَمَّ دَحْرُهَا هُنَا عَلَى هَذِهِ الْأَرْضِ… هَذِهِ أَرْضِي أَنَا…
وَرَفَعَتِ الْحَارِسَةُ الْأَخِيرَةُ يَدَيْهَا الَّتِي يَتَقَلَّدُهَا الْخَاتَمُ نَحْوَ السَّمَاءِ… وَأَنْشَدَتْ…
– اللَّعْنَةُ…. إِنَّهُ كِتَابُ الْمَوْتَى… مَتَى تَعَلَّمْتِ الْهِيرُوغْلِيفِيَّةَ!!!
– إِنَّهُمْ قَادِمُونَ… سَيُعِيدُ التَّارِيخُ نَفْسَهُ… لَا تَقْلَقْ…
وَمَرَّتْ دَقَائِقُ وَكَأَنَّهَا دُهُورٌ…
– لَمْ يَأْتُوا… لَمْ يَأْتُوا أَبَدًا… هَاهَ هَاهَ هَاهَ هَاهَ… انْتَهَتِ اللَّعِبَةُ وَخَسِرَتِ الْبَلْدَةُ الْقَدِيمَةُ قَضِيَّتَهَا…
وَ الْآنَ… جُيُوشُ الظَّلَامِ… صُعُودًا…
وَدَوَّتْ ضَحَكَاتُ الْحَارِسِ الْأَوَّلِ أَسْفَلَ هَضَبَةِ الْأَهْرَامَاتِ…
الْمَتْحَفُ…
انْقَضَى يَوْمُ عَمَلٍ آخَرَ دَاخِلَ أَرْوِقَةِ الْمَتْحَفِ الْمَصْرِيِّ الْكَبِيرِ الْوَاقِعِ بِهَضَبَةِ الْأَهْرَامَاتِ، يَوْمُ عَمَلٍ تَقْلِيدِيٌّ هَادِئٌ دُونَ مُشْكِلَاتٍ…. قَدِ انْصَرَفَ الزُّوَّارُ وَبَدَأَ الْحُرَّاسُ نَشَاطَهُمُ اللَّيْلِيَّ الْمُعْتَادَ بِنَوْبَةِ حِرَاسَةٍ جَدِيدَةٍ…
كُلُّ شَيْءٍ هَادِئٌ… كُلُّ شَيْءٍ عَلَى مَا يُرَامُ… يَجُولُ الْحُرَّاسُ فِي جَوَلَاتٍ رُوتِينِيَّةٍ مُتَوَاصِلِينَ مَعَ بَعْضِهِمُ الْبَعْضِ وَغُرْفَةِ التَّحَكُّمِ الرَّئِيسِيَّةِ عَبْرَ أَجْهِزَةِ الِاتِّصَالِ اللَّاسِلْكِيَّةِ…
وَمِنْ دَاخِلِ غُرْفَةِ التَّحَكُّمِ الرَّئِيسِيَّةِ كَانَ رَئِيسُ الْوَرْدِيَّةِ يَتَحَدَّثُ مَعَ أَحَدِ الْحُرَّاسِ عَبْرَ اللَّاسِلْكِيِّ…
– مَحْمُودُ، كَيْفَ الْأَحْوَالُ عِنْدَكَ!!!
– كُلُّ شَيْءٍ عَلَى مَا يُرَامُ فِي الْقَاعَةِ الرَّئِيسِيَّةِ… أَتَفَهَّمُ حَالَةَ التَّوَتُّرِ قُبَيْلَ حَفْلِ الِافْتِتَاحِ…
– بِالتَّأْكِيدِ… عَلِيُّ، أَخْبِرْنِي مَاذَا لَدَيْكَ فِي قَاعَةِ (ب)!!!
قَطَعَ صَوْتَ الِاتِّصَالِ صُرَاخُ الْحَارِسِ (مَحْمُودَ) الْمَدَوِّيِّ مِنَ الْقَاعَةِ الرَّئِيسِيَّةِ…
– سَيِّدِي، هُنَاكَ ضَبَابٌ… ضَبَابٌ كَثِيفٌ يَغْمُرُ الْقَاعَةَ…
– مَحْمُودُ، أَنْتَ تَهْذِي.. لَا يُوجَدُ أَيُّ شَيْءٍ غَيْرِ طَبِيعِيٍّ عَلَى شَاشَاتِ الْمُرَاقَبَةِ…
– إِنَّهُ.. إِنَّهُ يَتَحَرَّكُ…
– مَا هَذَا الَّذِي يَتَحَرَّكُ!!!
– رَمْسِيسُ… تِمْثَالُ رَمْسِيسَ الثَّانِي… تَدِبُّ فِيهِ الْحَيَاةُ!!!
– أَهَذَا فِيلْمُ (لَيْلَةٌ فِي الْمَتْحَفِ) بِنَسْخَتِهِ الْمَصْرِيَّةِ!!!
دَوَّى صَوْتٌ آخَرُ عَبْرَ قَنَاةِ اتِّصَالٍ أُخْرَى…
– هُنَا قَاعَةُ (ب)… ضَبَابٌ… أُكَرِّرُ… ضَبَابٌ كَثِيفٌ يَغْمُرُ الْمَكَانَ…
صَوْتُ حَارِسٍ آخَرَ…
– اللَّعْنَةُ… هُنَاكَ ضَبَابٌ… ضَبَابٌ فِي قَاعَةِ (ج)…
– تَمَاثِيلُ الرُّمَاةِ النُّوبِيِّينَ تَدِبُّ فِيهَا الْحَيَاةُ… إِنَّهُمْ يَصْطَفُّونَ فِي صُفُوفٍ عَسْكَرِيَّةٍ فِي الْقَاعَةِ الْجَنُوبِيَّةِ…
هُنَا فَقَدَ الْقَائِدُ أَعْصَابَهُ تَمَامًا وَصَرَخَ فِي حُرَّاسِهِ عَبْرَ اللَّاسِلْكِيِّ…
– تَبًّا لَكُمْ جَمِيعًا… لَا أَرَى أَيَّ شَيْءٍ عَلَى الشَّاشَاتِ… هَلْ أَصَابَكُمُ الْخَبَلُ جَمِيعَكُمْ!!! هَلْ هُوَ مُزَاحٌ ثَقِيلٌ!!! أَمْ إِنَّ السَّادَةَ تُجَّارَ الْمُخَدِّرَاتِ لَدَيْهِمْ عُرُوضٌ خَاصَّةٌ لِنِهَايَةِ الْأُسْبُوعِ!!!
وَمِنْ دَاخِلِ الْقَاعَةِ الرَّئِيسِيَّةِ تَجَمَّعَ جَمِيعُ الْحُرَّاسِ يُرَاقِبُونَ مَا يَحْدُثُ فِي رَهْبَةٍ عَاجِزِينَ عَنْ فِعْلِ أَيِّ شَيْءٍ سِوَى التَّنَفُّسِ… وَالْهَضْمِ…
تَمَاثِيلُ الْمَلِكِ الْخَمْسَةِ الْعِظَامِ تَتَوَسَّطُ الْقَاعَةَ… وَمِنْ جَمِيعِ الْاتِّجَاهَاتِ تَتَجَمَّعُ صُفُوفُ الْمُحَارِبِينَ…
الْعَرَبَاتُ الْحَرْبِيَّةُ… الْفُرْسَانُ… حَامِلُو الْفُؤُوسِ… الْمُشَاةُ… الرُّمَاةُ… قَارِعُو الطُّبُولِ… كُلٌّ يَصْطَفُّ فِي صَمْتٍ مَهِيبٍ… فِي هَيْبَةٍ يَقِفُونَ… أَعْدَادُهُمْ تَتَضَاعَفُ كُلَّ ثَانِيَةٍ… مِنْ أَيْنَ يَأْتُونَ!!! إِنَّ جُدْرَانَ الْمَتْحَفِ لَا تَتَّسِعُ أَبَدًا لِكُلِّ تِلْكَ الْأَعْدَادِ الرَّهِيَبَةِ…
وَفِي وَسَطِ الْقَاعَةِ تَوَسَّطَ الْمَلِكُ رَمْسِيسُ الثَّانِي بَاقِيَ الْمُلُوكِ وَهَتْفَ بِالْهِيرُوغْلِيفِيَّةِ…
وَمَشْهَدٌ خُرَافِيٌّ، تَتَقَدَّمُ جُيُوشٌ قَدْ كَانَتِ الدِّرْعَ الْوَاقِيَ لِكِيمِيتَ، جُيُوشُ الشَّمْسِ الَّتِي حَمَتْ وَادِيَ النِّيلِ قَدِ اجْتَمَعَتْ تَشْكِيلَاتُهَا الَّتِي حَارَبَتْ طَوَالَ الْأَلْفِ عَامٍ، اجْتَمَعَتْ كُلُّهَا فِي مَسِيرَةٍ وَاحِدَةٍ مُخْتَرِقَةً الصَّحْرَاءَ قَدْ نَسَفَ صَمْتَهَا دَقَّاتُ طُبُولِ الْحَرْبِ وَصُولًا إِلَى فَتْحَةِ النَّفَقِ حَيْثُ كَانَتْ تَجْلِسُ الْحَارِسَةُ الْأَخِيرَةُ، إِلَى حَيْثُ غَاصَتْ كُلُّ تِلْكَ الْجُيُوشِ الْخَمْسَةِ الْجَرَّارَةِ بِدَاخِلِ الْأَرْضِ… أَرْضِ كِيمِيتَ…
مَلْحَمَةُ الْجُيُوشِ الْخَمْسَةِ…
الْآنَ أَرَاهُمْ…
يَهْبِطُونَ عَبْرَ السَّقْفِ وَكَأَنَّهُمْ أَمْطَارُ الْغَوْثِ… يَهْبِطُونَ كَمَا هَبَطْتُ أَنَا قَبْلَ قَلِيلٍ ـ بِحِسَابَاتِ زَمَنِي أَنَا الْمَحْدُودَةِـ، أَرَاهُمْ وَأَدْرَكُهُمْ؛ الْخَمْسَةُ مُلُوكٌ الْعِظَامُ… قَادَةُ جُيُوشِ الشَّمْسِ عَبْرَ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ قَرْنًا مِنَ الزَّمَانِ…
اصْطَفَّ الْخَمْسَةُ الْعِظَامُ أَمَامَ جَيْشِهِمُ الْعَرْمَرَمِ… جَيْشِ كِيمِيتَ الْمُوَحَّدِ…
وَهُنَا، فِي أَعْمَاقِ الْأَرْضِ، تَحْتَ هَضَبَةِ الْأَهْرَامَاتِ، تَكْشَفَ أَعْظَمُ مَعْرَكَةٍ لَمْ تَرَهَا عَيْنٌ بَشَرِيَّةٌ مِنْ قَبْلُ.
الْمَلْحَمَةُ...
اصْطَفَّ الْخَمْسَةُ الْعِظَامُ أَمَامَ جَيْشِهِمُ الْعَرْمَرَمِ... جَيْشِ كِيمِيتَ الْمُوَحَّدِ... اصْطَفُّوا عَلَى عَجَلَاتِهِمُ الْحَرْبِيَّةِ، وَهَتَفَ الْمَلِكُ الْعَظِيمُ رَمْسِيسُ الثَّانِي بِالْهِيرُوغْلِيفِيَّةِ الَّتِي صِرْتُ أَتْقَنُهَا:
يَا خَالِقَ السَّمَاوَاتِ...
أَصْوَاتُ السِّهَامِ وَهِيَ تَشُدُّ عَلَى أَوْتَارِ أَقْوَاسِهَا (الثُّوَيْشِ) تُطْرِبُ الْآذَانَ... خُوَارُهَا أُنْشُودَةٌ فِي السَّمَاءِ... رَشَقَاتُهَا تَخْتَرِقُ جِدَارَ الْمَاضِي... لَوْ أَنَّ لِتِلْكَ الْقَاعَةِ سَمَاءً مَكْشُوفَةً لَأَظْلَمَتِ الشَّمْسُ مِنْ غُيُومِ سِهَامِ جَيْشٍ يَحْمِلُ اسْمَهَا... جُيُوشِ الشَّمْسِ...
الْمُلُوكُ الْعِظَامُ مُنْدَفِعُونَ... مُنْدَفِعُونَ نَحْوَ الْمَوْتِ... وَمِنْ وَرَائِهِمْ أَمْوَاجٌ مُتَلَاطِمَةٌ مِنَ الْعَرَبَاتِ الْحَرْبِيَّةِ... الْفُرْسَانِ... وَهَتْافُ الْقَائِدِ رَمْسِيسَ:
يَخْتَرِقُ الْأَبْعَادَ...
حَامِلُو الْفُؤُوسِ... الْمُشَاةُ... يَزِيدُونَ الْأَمْوَاجَ سُيُولًا...
يَا رَبَّاهِ...
أَرَاهُمْ يَشْتَبِكُونَ... يَلْتَحِمُونَ... يَصْرَعُونَ وَيَسْتَشْهِدُونَ...
الْحَمْلَةُ الْأَخِيرَةُ... حَمْلَةُ كِيمِيتَ الْأَخِيرَةُ...
يُنْشِدُونَ:
وَمِنَ الْجِهَةِ الْأُخْرَى تَهَادَى إِلَى مَسَامِعِي صَوْتُ آدَمَ وَقَدْ بَدَأَ فِي الْإِنْشَادِ بِالْعَامِّيَّةِ الْمِصْرِيَّةِ بَيْنَمَا الْأَغْلَالُ قَدْ بَدَأَتْ فِي التَّسَاقُطِ رَوِيدًا رَوِيدًا مِنْ حَوْلِ جَسَدِهِ الْحَبِيسِ...
تَرَى!!! هَلْ تُدْرِكُ تِلْكَ الْفَتَاةَ النُّوبِيَّةَ الْجَمِيلَةَ الَّتِي تَقُومُ بِالْإِبْحَارِ فِي قَارِبٍ خَشَبِيٍّ صَغِيرٍ خَلْفَ السَّدِّ الْعَالِي، هَلْ تُدْرِكُ مَا يَحْدُثُ هُنَا؟!
يُنْشِدُونَ:
وَيُجِيبُهُمْ آدَمُ:
أَتُعْي تِلْكَ السَّكَنْدَرِيَّةُ الْجَمِيلَةُ أَيَّ حَرْبٍ طَاحِنَةٍ يُخُوضُهَا الْأَجْدَادُ بَيْنَمَا هِيَ تَرْقُبُ مَوْجَ الْبَحْرِ مُهْرَعًا إِلَى لِقَاءٍ مَعَ بِنْتِ الْإِسْكَنْدَرِ الْأَكْبَرِ؟!
يُنْشِدُونَ:
وَيُجِيبُهُمْ آدَمُ:
حَفِيدَةُ كْلِيُوبَاتْرَا تِلْكَ الَّتِي تَسْكُنُ إِحْدَى قُرَى الدَّلْتَا الْآنَ... هَلْ تُدْرِكُ مَا أَرَاهُ الْآنَ؟!
يُنْشِدُونَ:
وَيُجِيبُهُمْ آدَمُ:
أَتُتْغَنِّي تِلْكَ الْبَدَوِيَّةُ لِلْبَدْرِ كَمَا يَتَغَنَّوْنَ الْآنَ...
تَرَى!!! هَلْ يُدْرِكُ سُكَّانُ الْمَنَاطِقِ الْمُجَاوِرَةِ مَا يَدُورُ تَحْتَ أَقْدَامِهِمْ!!! سَاكِنُو حَيِّ الْهَرَمِ!!! هَلْ يُدْرِكُنَا مَنْ سَكَنُوا الْقَاهِرَةَ دَارًا!!! مَنِ اتَّخَذُوا مِنْ وَادِي النِّيلِ مَسْكَنًا وَأَمَانًا!!!
وَيُجِيبُهُمْ آدَمُ:
وَأَخِيرًا...
انْتَهَتِ الْمَعْرَكَةُ... الْحَمْلَةُ الْأَخِيرَةُ قَدِ انْتَصَرَتْ... انْتَصَرَتْ مَنْفُ وَطِيبَةُ وَأَخِيتَاتُونُ كَيْ تُولَدَ الْفُسْطَاطُ وَلِكَيْ تَحْيَا الْقَاهِرَةُ...
رَجَاءً أَيُّهَا النَّابِشُ بِمُذَكِّرَاتِي...
أَخْبِرْهُمْ إِنَّنِي قَدْ شَاهَدْتُ كُلَّ هَذَا...
وَأَخْبِرْهُمْ...
إِنَّنِي أَرَى الْمُلُوكَ الْعِظَامَ يَتَقَدَّمُونَ نَحْوِي... نَحْوِي أَنَا...
أَخْبِرْهُمْ إِنَّ الْمَلِكَةَ الْعَظِيمَةَ حَتْشِبْسُوتَ قَدْ هَبَطَتْ مِنْ عَجَلَتِهَا الْحَرْبِيَّةِ وَتَقَدَّمَتْ نَحْوِي قَائِلَةً...
– إِنَّتِ جَمِيلَةٌ يَا فَتَاةُ... لَا عَجَبَ... فَإِنَّتِ تُشْبِهِينَنِي...
– مَوْلَاتِي...
– إِنَّتِ لَبِقَةٌ أَيْضًا يَا حَفِيدَتِي... لَوْ كُنْتِ فِي زَمَانِي لَبَنَيْتُ لَكِ مَسَلَّةً مِنْ ذَهَبٍ... وَالْآنَ... خُذِي هَذِهِ... إِنَّهَا لَنْ تَفْتَحَ الْآنَ...
وَوَضَعَتْ فِي يَدِي لَفَافَةً مَطْوِيَّةً مِنْ وَرَقِ الْبَرْدِيَّةِ وَانْصَرَفَتْ عَائِدَةً وَامْتَطَتْ مِنْ جَدِيدٍ عَجَلَتَهَا الْحَرْبِيَّةَ...
أَيُّهَا النَّابِشُ بِمُذَكِّرَاتِي...
أَخْبِرْهُمْ إِنَّنِي قَدْ رَأَيْتُ الْمُلُوكَ الْخَمْسَةَ الْعِظَامَ وَمِنْ وَرَائِهِمْ جُيُوشَ الشَّمْسِ الَّتِي قَدْ شَارَكَتْ فِي الْحَمْلَةِ الْأَخِيرَةِ... حَمْلَةِ كِيمِيتَ الْأَخِيرَةِ، رَأَيْتُهُمْ كُلَّهُمْ يَغَادِرُونَ... يَتَلَاشَوْنَ أَسْرَعَ مِنَ الزَّمَنِ ذَاتِهِ...
حَتَّى آدَمَ قَدْ تَحَرَّرَ نَهَائِيًّا وَتَلَاشَى هُوَ الْآخَرُ... قَدْ سَاقَتْهُ أَقْدَارُهُ كَمَا سَاقَتْنِي نَحْوَ الْمَعْرَكَةِ التَّالِيَةِ... فِي جَنُوبِ وَادِي النِّيلِ...
أَيُّهَا النَّابِشُ بِمُذَكِّرَاتِي...
أَخْبِرْهُمْ إِنَّنِي أَقِفُ هُنَا الْآنَ وَحِيدَةً... أَتَطَلَّعُ إِلَى الْبَرْدِيَّةِ وَأَتَأَمَّلُ عُنْوَانَهَا...
"إِنْشُودَةُ كِيمِيتَ"....
وَأَخْبِرْهُمْ...
إِنَّ لِذَلِكَ حِكَايَةً أُخْرَى...
وَإِنَّ الْقِصَّةَ لَمْ تَنْتَهِ بَعْدُ...
