حلق مع هدهوديات في الفضاء السيبراني

recent
أخبار ساخنة

الطابق الرابع شقة 9: أَطْيافُ الإسْكَنْدَرِيَّةِ

الصفحة الرئيسية

 



مُقَدِّمَةٌ

لَمْ أَعُدْ أَفْهَمُ، لَمْ أَصِرْ عَلَى مُجاراةِ المُسْتَحِيلِ!! الشَّراكَةُ مَعَ اللَّامَعْقُولِ!! الإِنْصاتُ إِلَى الصَّمْتِ صارَتْ عادَتِي... بَلْ وَالأَدْهَى قَدْ صارَ المَعْقُولُ وَالمَنْطِقِيُّ وَالمُحْتَمَلُ وَالجائِزُ قَدْ صارَتْ أَشْياءَ غَيْرَ مَرْحَبٍ بِها فِي حَياتِي...

مِنْ دُونِ إِذْنٍ وَبِغَيْرِ اسْتِئْذانٍ قَدْ تَجَرَّأَ شَهْرٌ مِنَ الزَّمانِ قَدْ وَلَّى وَمَضى عَلَى تَبْدِيلِ كُلِّ شَيْءٍ فِي حَياتِي، قَدْ تَبَدَّلَ نَبْضُ كِيانِي ذاتِهِ...
لا أَفْهَمُ... لِمَ لا أَعْتَرِضُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ عَلَى الإِطْلاقِ!!!

لِمَ قَدْ سَمَحْتُ لِلسَّيْلِ بِجَرْفِ رُوحِي صَوْبَ شَواطِئَ لَمْ أَكُنْ أَتَخَيَّلُ وُجُودَها حَتَّى...
هِيَ تِلْكَ النَّفْسُ البَشَرِيَّةُ المُتَمَرِّدَةُ بِقِيادَةٍ دوْمًا عَلَى الواقِعِ... رُبَّما...
لَكِنْ... لَمْ أَكُنْ يَوْمًا مُتَمَرِّدَةً عَلَى أَيِّ شَيْءٍ... أَيِّ شَيْءٍ عَلَى الإِطْلاقِ، أَنا مُتَصالِحَةٌ تَمامًا مَعَ كُلِّ شَيْءٍ...

أَهوَ ذَلِكَ الفَضُولُ الطُّفُولِيُّ الَّذِي قَدْ آبَى إِلّا وَأَنْ يَفْتَحَ الصُّنْدُوقَ!!! فَقَطْ أَرْجُو أَنْ لا يَكُونَ ذَلِكَ صُنْدُوقَ بَنْدُورا آخَرَ...
لِلْمَرَّةِ الثّانِيَةِ تَتَعارَضُ قِصَّتِي مَعَ رِواياتِي... تَتَعارَضُ تَمامًا مَعَ شَخْصِيَّتِي... لَسْتُ فَضُولِيَّةً عَلَى الإِطْلاقِ وَأَعْشَقُ حُدُودَ كِيانِي، وَلا تَعْنِينِي إِلّا رِواياتِي أَنا...

يَقُولُونَ إِنَّهُ بِداخِلِ كُلِّ مِنّا مُحارِبٌ لا تُدْرِكُ أَنْفُسُنا جَبَرُوتَهُ، مُقاتِلٌ صَنْدِيدٌ قادِرٌ عَلَى حَسْمِ المَعْرَكَةِ... أَيِّ مَعْرَكَةٍ وَفِي أَقَلَّ مِنْ طَرْفَةِ عَيْنٍ... وَبِكُلِّ حَسْمٍ...
لِلْمَرَّةِ الثّالِثَةِ، أَنا أَمْقُتُ المَعارِكَ... أَنا لَمْ أُخْلَقْ لِأَجْلِ الصِّراعاتِ وَلا أَحْتَمِلُ المَكائِدَ وَأَتَّقِي أَيُّ مُشاحَناتٍ حَتَّى...
إِنَّ تِلْكَ الرِّوايَةَ الَّتِي لا تَتَشَكَّلُ لا تَتَناسَبُ عَلَى الإِطْلاقِ مَعَ فُصُولِ حَياتِي...

ـ مَعَ ما كانَ... تَرَدَّدَ هَذا الصَّوْتُ فِي أَعْماقِي.. ثُمَّ أَرْدَفَ قالًا:

نَعَمْ، لَمْ تَتَمَرَّدِي وَعَشِقْتِ الرِّضا...

نَعَمْ، لَمْ تَتَطَفَّلِي وَاتَّخَذْتِ الخُصوصِيَّةَ مَلْجَأً...

نَعَمْ، لَمْ تُقاتِلِي وَسَكَنْتِ الأَمانَ...

لَكِنْ...

أَمْ حانَ وَقْتُ الطُّمُوحِ وَالشَّغَفِ وَالنَّصْرِ!!!

طُمُوحٌ بِحُلْمٍ لَمْ يَكُنْ يَوْمًا...
شَغَفٌ بِفَرَحٍ سَيَكُونُ دوْمًا...

نَصْرٌ عَلَى مُسْتَحِيلٍ لَمْ يَكُنْ سُوى وَهْمًا...

ـ عَمَّ تَتَحَدَّثُ!!! عَنِّي أَنا!!!

ـ نَعَمْ، أَعْلَمِي إِنَّ الجَحِيمَ يَتَّسِعُ لِلْجَمِيعِ وَالجَنَّةَ لِلطَّيِّبِينَ فَقَطْ...

ـ يا خالِقَ السَّماواتِ!!!

ـ قَدِ اخْتَرْتِ الرِّضا وَحانَ الحَصادُ

ـ اخْتَرْتُ الرِّضا لِأَنِّي أَرَدْتُ فَقَطْ أَنْ أَكُونَ إِنْسانَةً... مَجَرَّدَ إِنْسانَةٍ...

ـ كُلُّ ذَرَّةٍ مَحْسُوبَةٌ، حَتَّى مِنْ قَبْلَ أَنْ الأَيّامَ مَوْجُودَةٌ...

مَرَّةً أُخْرى... لِمَ أَنا!!!

ـ قَدْ رَوَى الزَّمانُ حِكايَتَهُ، وَلِلْقَدَرِ هَيْبَتُهُ...

ـ سَأَتَّبِعُ قَدَرِي وَسَأَرْوِي لِلأَيّامِ حِكايَتِي، لَعَلِّي أُفارِقُ خَيْمَتِي...

ـ مَنْ لَمْ يَشَأْ صُعُودَ الجِبالِ يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَرِ...

ـ لِمَ قَدْ حَسَبْتَنِي جَدْوَلًا صَغِيرًا!!! أَنا كَالشَّلّالِ المُنْهَمِرِ...

ـ فَلْيَفِضِ النَّهْرُ إِذاً... وَلْيَغْمُرْ شَوْقَ الزَّمانِ المُسْتَعِرِ...

ـ فَلْيَفِضْ نَهْرِي وَلْيَغْزُ الحَنِينُ وَلْيُوَلِّ الضَّجَرُ...

ـ إِنَّ لِشِراعِكَ أَنْ يَرْسُوَ بِمَرْفَأٍ قَدْ تَخُطِّينَ حُدُودَ القَمَرِ...

ـ أَذْكُرُ لَيْلَةً خاطَبَنِي البَدْرُ حانِيًا... إِنِّي أَفْتَقِدُ المَطَرَ...
ـ أَما آنَ لِلْبَدْرِ أَنْ يَفْرَحَ وَيَغْمُرَ سَطْحَهُ الشَّجَرُ!!!

ـ وَمِنْ أَيْنَ لِي بِماءٍ يَرْوِي جُرْمًا قَدْ سَكَنَ السَّماءَ وَاسْتَقَرَّ!!!

ـ سَتَرْتَوِي البَيْداءُ يَوْمًا، وَمِنَ الأَقْدارِ لا مِنْ مَفَرَّ...

القِطار

قَدْ حانَ الوَقْتُ لِزِيارَةِ ابْنَةِ الإسْكَنْدَرِ المَقْدُونِيِّ مَرَّةً أُخْرى، تِلْكَ الحَبِيبَةِ ساكِنَةِ شاطِئِ المُتَوَسِّطِ مُنْذُ آلافِ السِّنِينَ. ماذا لَدَيَّ مِنْ أَجْلِ الحَقائِبِ!!! أَعْتَقِدُ أَنِّنِي لَسْتُ بِحاجَةٍ إِلَى الكَثِيرِ مِنَ الأَغْراضِ مِنْ أَجْلِ الذَّهابِ فِي رِحْلَةٍ أُخْرى عَبْرَ الأَبْعادِ سِوى الكِتابِ وَالجُورِيَّةِ وَالخاتَمِ... ذَلِكَ الخاتَمُ الَّذِي قَدْ تَوَحَّدَ مَعَ إِصْبَعِي وَانْصَهَرَ بِتَلابِيبِ رُوحِي قَبْلَ شَهْرٍ مِنَ الزَّمانِ، وَلْيَكُنْ... إِلَى الإسْكَنْدَرِيَّةِ...

المِصْعَدُ مُعَطَّلٌ كَالْمُعْتادِ، إِذاً لا بُدَّ مِنْ مُمارَسَةِ رِياضَةِ نُزُولِ الدَّرَجِ عَبْرَ الطَّوابِقِ الأَرْبَعَةِ حِفْظًا عَلَى رَشاقَتِي وَصُولًا إِلَى الشّارِعِ...

"تاكْسِي... مَحَطَّةُ القِطارِ مِنْ فَضْلِكَ..."

وَها أَنا ذا أَجْلِسُ بِالمَقْعَدِ الخَلْفِيِّ لِسَيَّارَةِ الأُجْرَةِ أَتَأَمَّلُ الكِتابَ... لا شَيْءَ جَدِيدٌ يَكْتُبُ مِنَ العَدَمِ بَعْدُ... الخاتَمُ... الخاتَمُ صامِتٌ كَصَمْتِ الكَوْنِ ذاتِهِ... تُرى!!! ماذا تُعِدُّ ابْنَةُ الإسْكَنْدَرِ لِأَجْلِي هَذِهِ المَرَّةَ!!!

ـ قَدْ وَصَلْنا المَحَطَّةَ.

ـ شُكْرًا... تَفَضَّلْ...

ـ وَرَقَةٌ بِمِئَتَيْ جُنَيْهٍ!!! هَلْ لَدَيْكَ فِئاتٌ نَقْدِيَّةٌ أَصْغَرُ!!!

ـ كَلا، لِلْأَسَفِ...

ـ لا بَأْسَ، تَفَضَّلِي الباقِي...

ـ شُكْرًا، لَكِنْ ما هذا!!! إِنَّ تِلْكَ الأَوْراقَ النَّقْدِيَّةَ قَدِيمَةٌ... تَعُودُ كُلُّها إِلى حِقْبَةِ الثَّمانِينِيَّاتِ!!!

ـ لَمْ يُقِيمُوا بِالإِلْغاءِ التَّداوُلِ بِها بَعْدُ يا سَيِّدَتِي...

ـ لا أُرِيدُها... أَعْطِنِي بَدَلًا مِنْها..
ـ وَلِمَ!!! مَنْقُوشٌ عَلَيْها عِبارَةُ البَنْكِ المَرْكِزِيِّ المَصْرِيِّ عَلَى ما أَعْتَقِدُ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ!!!

ـ بَلى، وَلَكِنْ لَنْ يَقْبَلَها مِنِّي أَحَدٌ عَلَى الإِطْلاقِ...

ـ لِمَ!!! أَمَنْقُوشٌ عَلَيْها (بَنْكُ الحَظِ)!!! أَمْ إِنَّها مِنْ فِئَةِ العَشَرِ زاحُو فَضائِيٍّ مِنَ المُتَداوَلَةِ فِي كَوْكَبِ المَرِّيخِ!!!

ـ يا لَكَ مِنْ خَفِيفِ الظِّلِّ... هَلْ يُوجَدُ مِنْكَ الكَثِيرُ عَلَى ظَهْرِ هَذا الكَوْكَبِ البائِسِ!!! أَمْ أَنَّكَ النّاجِي الوَحِيدُ مِنَ الانْقِراضِ الَّذِي لاحَقَ
بِالدّيناصُوراتِ!!!

ـ أَنا الآخِرُ بِلا فَخْرٍ...

ـ لا أَظُنُّ، فَلَقَدْ آنَ الكَوْكَبُ مِمَّنْ هُمْ مِثْلُكَ...

ـ ماذا!! ماذا تَقُولِينَ!!!

ـ أَقُولُ يَجِبُ أَنْ يَكْتَشِفَ أَحَدُهُمْ هِوايَتَكَ... إِلَى اللِّقاءِ...

وَتَرَجَّلْتُ مِنَ السَّيّارَةِ فَوْرًا فَلا وَقْتَ لِلْهَراءِ مَعَ فَيْلَسُوفِ الحَمِيرِ هَذا... فَلَدَيَّ كَوْكَبٌ عَلَى إِنْقاذِهِ ها ها ها ها، هِيَ أَوْراقٌ تَحْمِلُ شِعارَ البَنْكِ المَرْكِزِيِّ المَصْرِيِّ وَكَفى...

مِنْ حُسْنِ الحَظِّ إِنَّنِي قَدْ وَجَدْتُ تَذْكِرَةً عَبْرَ الإِنْتَرْنِتِ، فَلا داعِيَ لِلْمَزِيدِ مِنَ المُخابِيلَ الَّذِي قَدْ يُحاوِلُ أَحَدُهُمُ اقْتِعائِي بِالذَّهابِ إِلَى الإسْكَنْدَرِيَّةِ عَبْرَ إِحْدى عَواصِمِ جَنُوبِ شَرْقِ آسِيَا كَيْ أَكْتَشِفَ الفُرُوقَ بَيْنَ عاداتِهِمُ الغِذائِيَّةِ وَعاداتِنا...

رَصِيفُ 3، وَ .... مَكْتُوبٌ عَلَى التَّذْكِرَةِ: العَرَبَةُ 4 المَقْعَدُ رَقَمُ 9!!! نِيا ها ها ها ها... سَيَكُونُ لَدَيَّ الكَثِيرُ كَيْ أَرْوِيَهُ يَوْمًا ما أَثْناءَ جَلْسَةٍ بِحَوارِ المَدْفَأَةِ فِي لَيْلَةٍ شَتْوِيَّةٍ أَثْناءَ احْتِساءِ الكَسْتَناءِ السّاخِنَةِ مَعَ جَمْعٍ ما مِنَ البَشَرِ... لَكِنْ ماذا تَكُونُ الكَسْتَناءُ السّاخِنَةُ هَذِهِ يا تُرى!!! أَظُنُّ إِنَّهُ مَشْرُوبٌ ما يَحْتَسِيهِ المُثَقَّفُونَ وَالفَلاسِفَةُ فِي بَعْضِ الرِّواياتِ... عَلَى أَيِّ حالٍ...

قَدْ وَصَلَ القِطارُ فِي مَوْعِدِهِ المُحَدَّدِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ، ها هِيَ العَرَبَةُ 4 وَ ها هُوَ المَقْعَدُ رَقَمُ 9. أَحْمَدُ اللَّهَ إِنَّهُ مَقْعَدٌ فَرْدِيٌّ فَلَنْ يَكُونَ جِوارِي شَخْصًا فَضُولِيًّا يَتَساءَلُ فِي وَقاحَةٍ عَمَّ أَقْرَأُ فِي كِتابٍ قِرْمِزِيٍّ خاوِ الصَّفَحاتِ وَيَتَساءَلُ فِي لَهْفَةٍ عَنْ خُطَّتِي الخُماسِيَّةِ القادِمَةِ، أَوْ تَأْتِي جِوارِي امْرَأَةٌ فَضُولِيَّةٌ تُدْعى (أُمُّ شَخْصٍ ما) تَشْتَكِي مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَقِفُ عَنِ التَّمَلُّلِ بِأَنَّ النّاسَ لَمْ تَعُدْ كَما كانَتْ وَتَضِيفُ بِكُلِّ حَرارَةٍ وَثِقَةٍ أَنَّ كُلَّ ما نُواجِهُهُ مِنّا صُعُوباتٍ بَلْ وَحَتَّى المَطَبَّاتِ الصِّناعِيَّةُ عَلَى الطُّرُقِ الزِّراعِيَّةِ هِيَ مِنْ تَأْثِيرِ ثَقَبِ الأُوزُونِ... حَمْدَ اللَّهِ...

تُوجَدُ الكَثِيرُ مِنَ المَقاعِدِ الشّاغِرَةِ فِي العَرَبَةِ لِحُسْنِ الحَظِّ، فَلَنْ تَكُونَ هُناكَ ضَوضاءُ طَوالَ تِلْكَ الرِّحْلَةِ الطَّوِيلَةِ... لا بَأْسَ بِبَعْضِ الاسْتِرْخاءِ...

وَكانَّهُ قَدْ سَمِعَنِي وَرَفَضَ أَنْ أَسْتَرِخَّ قَلِيلًا... الخاتَمُ.... الخاتَمُ يَتَأَلَّقُ مِنْ جَدِيدٍ... الكِتابُ... ماذا لَدَيْنا هُنا!!!
عَلَى صَفْحَةٍ أُخْرى جَدِيدَةٍ تَتَشَكَّلُ صُورَةٌ جَدِيدَةٌ مِنَ العَدَمِ...

صُورَةُ طِفْلٍ يَبْكِي تَحْتَ نَخْلَةٍ، طِفْلٌ لا يَتَجاوَزُ الخامِسَةَ أَوِ السّادِسَةَ عَلَى أَحْسَنِ تَقْدِيرٍ، طِفْلًا يَرْتَدِي بَلُوفَرًا صُوفِيًّا وَبَنْطالَ جِينْزٍ أَزْرَقَ... تَبْدُو مَلابِسُهُ كَلاسِيكِيَّةً بَعْضَ الشَّيْءِ... وَهُناكَ بِئْرًا فِي الجِوارِ.... هَلْ هذا هُوَ آدَمُ عِنْدَما كانَ طِفْلًا!!! لا أَدْرِي...

الصَّفْحَةُ المُقابِلَةُ... صُورَةٌ أُخْرى تَتَشَكَّلُ... هُناكَ شابٌّ... شابٌّ مُقَيَّدٌ بِسَلاسِلَ مِنْ ظِلٍّ فِي زِنْزانَةٍ مُظْلِمَةٍ تَقَعُ أَسْفَلَ أَهْراماتِ الجِيزَةِ... رَبّاهُ... ما هذا!!!

الصَّفْحَةُ التّالِيَةُ... صُورَةُ رَجُلٍ يُحاوِلُ عُبُورَ جِسْرٍ مِنَ الضَّبابِ فَوْقَ هاوِيَةٍ سَحِيقَةٍ... رَجُلًا قَدِ التَقَيْتُهُ لِلْمَرَّةِ الأُولى مُنْذُ شَهْرٍ كامِلٍ... رَجُلًا يُدْعى آدَمَ...

الصَّفْحَةُ التّالِيَةُ... هُناكَ عِبارَةٌ ما تَتَشَكَّلُ... لَقَدْ تَشَظَّتْ رُوحِي كَمِرْآةٍ سَقَطَتْ مِنْ بُرْجٍ عالٍ ما بَيْنَ ثَلاثَةِ عَوالِمَ... ثَلاثَةُ أَبْعادٍ وَثَلاثُ لَيالٍ... عَلَيْكِ بِالبِدايَةِ قَبْلَ أَنْ أَصِلَ إِلَى النِّهايَةِ...

ثُمَّ انْطَفَأَ تَوَهُّجُ الخاتَمِ وَأَبَتِ الصَّفْحَةُ أَنْ تَقْلِبَ...

رَبّاهُ... مَعَ كُلِّ خُطْوَةٍ لُغْزٌ... وَمَعَ كُلِّ صَفْحَةٍ مَتَاهَةٌ... ما كُلُّ هذا يا تُرى!!!!

إِنَّ كُلَّ تِلْكَ الأَحْداثِ تُشْعِرُنِي... تُشْعِرُنِي بِالجُوعِ ها ها ها ها، وَها خِدْمَةُ القِطاراتِ عِنْدَما نَكُنُ بِحاجَةٍ إِلَيْها... مِنْ فَضْلِكَ... أَعْطِنِي وَجْبَةً... نَعَمْ، تِلْكَ الكَبِيرَةَ... شُكْرًا... تَفَضَّلِ النُّقُودُ...

لَمْ أَقُمْ بِإِعْطائِهِ تِلْكَ النُّقُودَ القَدِيمَةَ خَوْفًا مِنَ التَّنَمُّرِ، بَلْ مَرَّةً أُخْرى وَرَقَةً مِنْ فِئَةِ المِئَتَيْ جُنَيْهٍ...

تَفَضَّلِي الباقِي...

ما هذا!! أَوْراقٌ نَقْدِيَّةٌ قَدِيمَةٌ مَرَّةً أُخْرى!!! لَكِنْ مَنْقُوشٌ عَلَيْها عِبارَةُ البَنْكِ المَرْكِزِيِّ المَصْرِيِّ وَكَفى... لا داعِيَ لِلْمَزِيدِ مِنَ الفَلْسَفَةِ...

مُمْمُمْ، تِلْكَ الوَجْبَةُ المُعْتَادَةُ، سَنْدَوِيتْشاتُ الجُبْنِ الرُّومِيِّ وَالدَّجاجِ البانِيهِ وَتِلْكَ العُلْبَةُ البِلاَسْتِيكِيَّةُ الَّتِي تَحْتَوِي عَلَى ثَلاثِ حَبَّاتٍ مِنَ الزَّيْتُونِ وَكِيسِ البَطاطا المَقْلِيَّةِ الأَبَدِيِّ إِيَّاهُ وَالَّذِي يَحْتَوِي بَدَوْرِهِ عَلَى ثَلاثٍ أَوْ أَرْبَعِ رَقائِقَ مِنَ البَطاطَسِ المَقْلِيَّةِ فِي أَحْسَنِ تَقْدِيرٍ... مِنْ أَيْنَ يَأْتُونَ بِتِلْكَ الأَكْياسِ الصَّغِيرَةِ!!! أَعْتَقِدُ أَنَّ مُكَوِّناتِ الوَجْبَةِ لَمْ تَتَغَيَّرْ مُنْذُ إِنْشاءِ السِّكَكِ الحَدِيدِيَّةِ فِي مِصْرَ...

وَالآنَ، قَدْ تَذَكَّرَ جَسَدِي المُنْهَكُ أَخِيرًا أَنَّهُ لَمْ يَذُقْ طَعْمَ النَّوْمِ مُنْذُ الأَمْسِ... فَلا بَأْسَ بِبَعْضِ النَّوْمِ إِذاً، فَالرِّحْلَةُ طَوِيلَةٌ....

يَبْدُو أَنِّنِي قَدْ نِمْتُ الكَثِيرَ مِنَ الوَقْتِ، لَكِنْ لِمَ قَدْ صارَ الطَّقْسُ بارِدًا هَكَذا... تُرى أَيْنَ وَصَلَ القِطارُ!!!

العَرَبَةُ صارَتْ خاوِيَةً إِلّا مِنِّي وَمِنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ الجالِسِ هُناكَ ناحِيَةَ بابِ العَرَبَةِ، لَمْ يُحَدِّقْ إِلَيَّ هَكَذا!!! أَيْنَ قَدْ رَأَيْتُ ذَلِكَ الوَجْهَ مِنْ قَبْلُ يا تُرى!!!

يَبْدُو أَنَّ القِطارَ يَسْتَعِدُّ لِمُواصَلَةِ الحَرَكَةِ مِنْ مَحَطَّةٍ ما وَهُناكَ شابٌّ وَفَتاةٌ يَدْخُلانِ العَرَبَةَ مُتَجِهَيْنِ صَوْبَ الكُرْسِيِّ الَّذِي يَجْلِسُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الشَّخْصُ... تُرى أَيْنَ رَأَيْتُهُ قَبْلَ الآنَ!!!!

رَبّاهُ... قَدْ تَذَكَّرْتُ... قَدْ تَذَكَّرْتُهُ... إِنَّهُ... إِنَّهُ الحارِسُ... الحارِسُ الأَوَّلُ... يا اللَّهُ...

الأَغْرَبُ، إِنَّ الشّابَّ وَالفَتاةَ مُتَجِهَيْنِ نَحْوَهُ... هَلْ هُمْ حُرّاسٌ آخَرُونَ!!! يا لَقِطارِ الحُرّاسِ هَذا!!! ا

ماذا تَفْعَلُونَ!!! أَيُّها الحَمْقى...

الفَتاةُ قَدْ جَلَسَتْ جِوارَ الحارِسِ الأَوَّلِ، أَمّا الشّابُّ فَهُوَ عَلَى وَشْكِ الجُلُوسِ عَلَى الحارِسِ... الحارِسِ الأَوَّلِ...

أَنْتَ... انْتَبِهْ... صَحَتْ مُحَذِّرَةً كِلَاهُما، الشّابُّ وَالحارِسُ، لَكِنَّ الأَوَّلَ قَدْ جَلَسَ بِكُلِّ أَرِيحِيَّةٍ.... وَالآخَرُ قَدْ تَلاشى تَمامًا... صَرَخْتُ مِنَ الدَّهْشَةِ، لَكِنَّهُمْ - الشّابُّ وَالفَتاةُ - لَمْ يَأْبَهُوا لِصَراخِي القادِرِ عَلَى إِيقاظِ مومِياءِ رَمْسِيسَ الثّانِي مِنْ سُباتِهِ العَمِيقِ، بَلْ يَبْدُو إِنَّهُمْ لَمْ يَلْحَظُوا وُجُودِي مِنَ الأَساسِ...

انْتَبَني الرُّعْبُ وَأَطْلَقْتُ ساقَيَّ لِلرِّياحِ صَوْبَ العَرَبَةِ التّالِيَةِ، هُناكَ شاهَدْتُهُ... مُحَصِّلَ التَّذاكِرِ وَما إِنْ شاهَدَ الرُّعْبَ المُرْتَسِمَ عَلَى مَلامِحِي هَتَفَ مُتَسائِلًا عَمَّ حَدَثَ!!!

رَوَيْتُ لَهُ ما جَرى فِي بِضْعِ كَلِماتٍ وَما إِنِ انْتَهَيْتُ مِنْ رِوايَتِي حَتّى قالَ بِدَهْشَةٍ:

ـ سَيِّدَتِي، إِنَّ العَرَبَةَ الرّابِعَةَ قَدْ صارَتْ خالِيَةً مِنَ الرُّكّابِ مُنْذُ إِنْ غادَرَ القِطارُ مَحَطَّةَ القاهِرَةِ قَبْلَ ساعَتَيْنِ وَأَكْثَرَ... لَمْ يَكُنْ بِها أَحَدٌ سِواكِ!!!

ـ ماذا!!!

ـ القِطارُ الآنَ يَسْتَعِدُّ إِلى دُخُولِ مَحَطَّةِ الإسْكَنْدَرِيَّةِ، حاوِلِي الاسْتِمْتاعَ بِهَواءِ الإسْكَنْدَرِيَّةِ النَّقِيِّ، يَبْدُو أَنَّ أَعْصابَكِ مُتَوَتِّرَةٌ بَعْضَ الشَّيْءِ...

وَ دَوَّتْ ضَحَكاتِي بِلا انْقِطاعٍ...

الإسْكَنْدَرِيَّةُ، يَوْمًا ما…

مَرَّةً أُخْرى فِي الإسْكَنْدَرِيَّةِ بَعْدَ رِحْلَةٍ بِقِطارِ الأَشْباحِ هَذا. المَحَطَّةُ تَبْدُو هادِئَةً عَلَى غَيْرِ العادَةِ، لا تَسْتَطِيعُ وُجُودَ شَيْءٍ غَيْرِ مَأْلُوفٍ عَدا غِيابِ الزِّحامِ المُعْتَادِ. هُناكَ بائِعُ الجَرائِدِ يَهْتِفُ فِي حَماسٍ "أَخْبارٌ، أَهْرامٌ، جُمْهُورِيَّةٌ"... هَلْ مازالَ هُناكَ أَحَدٌ يَقْرَأُ الجَرائِدَ إِلى يَوْمِنا هذا!!! حَسَنًا، لا يُمْكِنُنِي لَوْمَ أَهْلِ الإسْكَنْدَرِيَّةِ عَلَى قِراءَتِهِمْ لِلْجَرائِدِ وَعَدَمِ التَّزاحُمِ بِمَحَطَّةِ القِطاراتِ بَعْدَ مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ، لا يُمْكِنُنِي لَوْمَهُمْ عَلَى الإِطْلاقِ...

تَوَجَّهْتُ إِلى بَوّابَةِ المَحَطَّةِ... يا لَلَّهِ!!! هَلِ افْتَرَقْتُمْ يا أَهْلَ الإسْكَنْدَرِيَّةِ!!! ما كُلُّ هَذِهِ السَّيّاراتِ القَدِيمَةِ!!!

"تاكْسِي... أُرِيدُ الذَّهابَ إِلى ذَلِكَ العُنْوانِ.." وَأَعْطَيْتُهُ قِصاصَةَ وَرَقٍ مَخْطُوطٌ بِها العُنْوانُ

ـ هَذا العُنْوانُ فِي الطَّرَفِ الآخَرِ مِنَ المَدِينَةِ، سَوْفَ آخُذُ ثَلاثَةَ جُنَيْهاتٍ كامِلَةٍ

ـ ماذا!!! ثَلاثَةَ جُنَيْهاتٍ!!!

ـ قَدْ بَدَأْنا فِي الفِصالِ، الأَسْعارُ مُرْتَفِعَةٌ جِدًّا فِي الإسْكَنْدَرِيَّةِ، مِنْ أَيْنَ أَنْتِ!!!
ـ وَداعًا …

ـ انْتَظِرِي، سَأَذْهَبُ مَعَكِ.

جَلَسْتُ فِي مَقْعَدِ الخَلْفِيِّ لِسَيَّارَةِ الأُجْرَةِ وَبِرَأْسِي سُؤالٌ وَحِيدٌ وَأَلْفُ أَلْفِ إِجابَةٍ أَتَمَنَّى أَنْ تَكُونَ جَمِيعُها خاطِئَةً...

وَ انْطَلَقَتِ السَّيّارَةُ تَجُوبُ شَوارِعَ الإسْكَنْدَرِيَّةِ... الإسْكَنْدَرِيَّةُ الَّتِي لا أَعْرِفُها... لا أَعْرِفُها عَلَى الإِطْلاقِ...

انْتَشَلَنِي السّائِقُ مِنْ شُرُودِي حِينَ سَأَلَنِي: هَلا تَمانَعِينَ الاسْتِماعَ إِلى أُغْنِيَةٍ مِنْ كاسِيتِ السَّيّارَةِ!!! أَنا أَعْشَقُ الأَغانِي...

ـ كَلا، عَلَى الرَّحْبِ وَالسَّعَةِ

وَ ابْتَدَأَتِ الأُغْنِيَةُ.... أُغْنِيَةُ "هَلا هَلا" لِعَمْرِو دِيابٍ...

ـ أُحِبُّ أَغانِيَ الهِضَبَةِ، القَدِيمَةِ مِنْها خاصَّةً.

ـ أَيُّ هِضَبَةٍ!!! هَلْ أَتَيْتِ مِنْ مَدِينَةٍ تُغَنِّي فِيها الهِضابُ!!! وَأَيُّ أُغْنِيَةٍ قَدِيمَةٍ تَقْصِدِينَ!!!!

ـ تِلْكَ الأُغْنِيَةُ

ـ هَذِهِ أَحْدَثُ أُغْنِيَةٍ لِذَلِكَ المُطْرِبِ الشّابِّ المُسَمَّى.... تُرى ماذا كانَ اسْمُهُ!!! آهْ.... تَذَكَّرْتُ... دِيابٌ.... عَمْرُو دِيابٌ... أَعْتَقِدُ أَنَّهُ سَوْفَ يَكُونُ لَهُ مُسْتَقْبَلٌ واعِدٌ...

وَ بَعْدَ بُرْهَةٍ قَدْ حاوَلْتُ خِلالَها جاهِدَةً اسْتِيعابَ المَوْقِفِ راجِيَةً فِي أَعْماقِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ السَّائِقُ مَجَرَّدَ مُخْبُولٍ آخَرَ، سَأَلْتُهُ قائِلَةً:

ـ هَلا يُمْكِنُكَ المُرُورُ عَبْرَ طَرِيقِ الكُورْنِيشِ، أُرِيدُ المُرُورَ عَلَى كُوبْرِي سْتانْلِي.

ـ كُوبْرِي ماذا!!!

ـ لا عَلَيْكَ، امْضِ كَيْفَما تَشَأْ...

ـ سَأَذْهَبُ عَبْرَ مَحَطَّةِ الرَّمْلِ...

وَ بَعْدَ دَقائِقَ مَعْدُودَةٍ فِي مَحَطَّةِ الرَّمْلِ...

ـ ما كُلُّ ذاكَ الزِّحامِ!!

ـ هَذِهِ هِيَ سِينَمَا أَمِيرٌ، اليَوْمَ هُوَ يَوْمُ العَرْضِ الأَوَّلِ لِفِيلْمِ (عَلِي بَيْهِ مَظْهَرٌ وَ 40 حَرامِيًا)، قَدْ شاهَدَهُ أَحَدُ أَصْدِقائِي وَأَخْبَرَنِي إِنَّهُ كُومِيدِيٌّ لِلْغايَةِ وَأَنَّ...

ـ وَأَنَّ ذَلِكَ الفَنَّانَ الشَّابَّ مُحَمَّدَ صَبْحِي سَيَكُونُ لَهُ مُسْتَقْبَلٌ واعِدٌ... أَلَيْسَ كَذَلِكَ!!!

ـ بَلى، كَيْفَ عَرَفْتِ!!!

ـ هَذِهِ قِصَّةٌ طَوِيلَةٌ، لا تُشْغِلْ بالَكَ...

الفِيلَا

جَلَسْتُ فِي صَمْتٍ شارِدَةَ الذِّهْنِ أَتَأَمَّلُ شَوارِعَ الإسْكَنْدَرِيَّةِ، الآْنَ فَقَطْ أُلاحِظُ إِنَّ النَّاسَ تَرْتَدِي تِلْكَ المَلابِسَ (الكارُوهاتُ) وَالبَناطِيلَ الضَّيِّقَةَ مِنَ الأَعْلى وَالواسِعَةَ أَكْثَرَ مِنَ اللَّازِمِ مِنَ الأَسْفَلِ.. تِلْكَ الَّتِي نُطْلِقُ عَلَيْها (شارَلْ سِتُونٌ)... الفِيلْمُ مِنْ إِنْتاجِ العامِ 1985َ وَكَذَلِكَ الأُغْنِيَةُ...

كانَ تَوَجُّسِي فِي مَحَلِّهِ... أَنا الآْنَ فِي الإسْكَنْدَرِيَّةِ... العامُ 1985َ... أَرْبَعُونَ عامًا... كَما قالَتِ النُّبُوءَةُ...

تُرى هَلْ كانَتِ النُّقُودُ القَدِيمَةُ مِنْ سائِقِ سَيَّارَةِ الأُجْرَةِ الأَوَّلِ وَمِنْ عامِلِ البُوفِيهِ فِي القِطارِ مَجَرَّدَ صُدْفَةٍ!!!!

تُرى، هَلْ سَوْفَ أَسْتَطِيعُ العَوْدَةَ إِلَى المُسْتَقْبَلِ!!! أَعْنِي إِلَى اليَوْمِ!!! كَيْفَ!!!

عَزائِي الوَحِيدُ إِنَّ بِحَوْزَتِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلاثِمِئَةِ جُنَيْهٍ مَنْقُوشٌ عَلَيْها عِبارَةُ البَنْكِ المَرْكِزِيِّ المَصْرِيِّ... أَنا أَمْلِكُ ثَرْوَةً بِأَسْعارِ هَذا الزَّمانِ....

ـ ها قَدْ وَصَلْنا...

ـ أَتَعْلَمُ، قَدْ قَطَعْتَ عَلَى حَبْلِ أَفْكاري فِي كَيْفِيَّةِ الاسْتِمْتاعِ بِإِنْفاقِ ثَرْوَتِي الجَدِيدَةِ ها ها ها ها، تَفَضَّلِ النُّقُودَ...

ـ ماذا!!! عِشْرُونَ جُنَيْهًا!!! لَيْسَ لَدَيَّ ما يَكْفِي مِنَ الصَّرْفِ...

ـ لا عَلَيْكَ، احْتَفِظْ بِالباقِي وَخُذْ باقِيَ اليَوْمِ إِجازَةً، اذْهَبْ لِشِراءِ مَخْزُونِ الشَّهْرِ مِنَ البَقَّالَةِ وَفَخِذِ خَرُوفٍ وَقُمْ بِاصْطِحابِ أُسْرَتِكَ إِلَى السِّينَمَا كَيْ تَرْوِيَ لِأَصْدِقائِكَ عَنْ ذَلِكَ الفِيلْمِ الجَدِيدِ وَعَنْ ذَلِكَ المُمَثِّلِ الشَّابِّ مُحَمَّدِ صَبْحِي وَالَّذِي سَيَكُونُ لَهُ مُسْتَقْبَلٌ واعِدٌ... وَداعًا...

وَ ها أَنا ذا أَقِفُ مَرَّةً أُخْرى أَمامَ تِلْكَ الفِيلَا الَّتِي رَأَيْتُها فِي حُلْمِي الأَوَّلِ.... فِي العامِ 1958َ

أَقِفُ أَمامَ الفِيلَا المَهْجُورَةِ وَأَنا أَتَساءَلُ فِي صَمْتٍ: كَيْفَ أَصْبَحْتُ جُزْءًا مِنْ هَذِهِ الحِكايَةِ الَّتِي تَتَجاوَزُ كُلَّ ما عَرَفْتُهُ فِي حَياتِي؟ الجُدْرانُ البِيضاءُ المُتَشَقِّقَةُ تَحْمِلُ آثارَ طِلاءٍ أَزْرَقَ باهِتٍ، كَذِكْرى لِلْبَحْرِ القَرِيبِ الَّذِي لَمْ أَرَهُ بَعْدُ. النَّوافِذُ العالِيَةُ المُقَوَّسَةُ مُغْلَقَةٌ بِمَصارِيعَ خَشَبِيَّةٍ مُتَآكِلَةٍ، بَعْضُها مَكْسُورٌ يَظْهَرُ مِنْ خِلالِهِ ظَلامٌ يَبْدُو حَيًّا يَتَراقَصُ كَكائِنٍ غَرِيبٍ. البابُ الرَّئِيسِيُّ الضَّخْمُ مِنَ الخَشَبِ المَنْحُوتِ بِزَخارِفَ نَباتِيَّةٍ غَرِيبَةٍ، يَبْدُو وَكَأَنَّهُ بَوّابَةٌ لِعَالَمٍ آخَرَ لَمْ أَعُدْ أَعْرِفُ إِنْ كُنْتُ مُسْتَعِدَّةً لِدُخُولِهِ.

أَدْفَعُ البابَ الثَّقِيلَ بِأَعْصابٍ مُشَدُّودَةٍ وَأَجِدُ نَفْسِي فِي حَدِيقَةٍ كانَتْ يَوْمًا جَنَّةً غَناءَ، وَالآْنَ أَصْبَحَتْ أَرْضًا مُوْحِشَةً تَئِنُّ تَحْتَ وِطْأَةِ النِّسْيانِ. أَشْجارُ السَّرْوِ العالِيَةُ تَقِفُ كَحُرّاسٍ حَزانى، أَوْراقُها البُنِّيَّةُ تَتَساقَطُ كَدُمُوعٍ عَلى أَرْضِيَّةٍ مِنَ التُّرابِ وَالحِجارَةِ. فِي المُنْتَصَفِ، تَنْتَصِبُ شَجَرَةُ نَخِيلٍ عَجُوزٍ، جِذْعُها المائِلُ يَحْمِلُ نُدُوبَ الزَّمَنِ، وَسَعْفُها الأَصْفَرُ يَتَدَلّى كَأَيْدِي مُتَوَسِّلَةٍ تَطْلُبُ النَّجْدَةَ. وَبِجانِبِها، بِئْرٌ حَجَرِيٌّ دائِرِيٌّ، حافَتُهُ مُغَطّاةٌ بِالطَّحالِبِ الخَضْراءِ، وَحِبالُ الدَّلْوِ المُتَعَفِّنَةُ تَتَدَلّى فِي الظَّلامِ كَأَشْباحٍ تَنْتَظِرُ شَيْئًا ما.

تَحْتَ النَّخْلَةِ، أَجِدُهُ جالِسًا.. آدَمُ الطِّفْلُ، يَبْدُو صَغِيرًا وَهَشًّا فِي مَلابِسِ الثَّمانِينِيَّاتِ - بَلُوفَرٌ صُوفِيٌّ أَزْرَقُ وَبَنْطالُ جِينْزٍ. عَيْنَاهُ الخَضْراوانِ الواسِعَتانِ تَفِيضانِ بِالحَيْرَةِ وَالأَلَمِ، يُمْسِكُ بِدُمْيَةٍ مَحْشُوَّةٍ مُمَزَّقَةٍ عَلى شَكْلِ قِطَّةٍ. وَجْهُهُ الشّاحِبُ يَتَلأْلَأُ تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ الخافِتِ، وَكَأَنَّهُ طِفْلٌ مِنْ عالَمٍ آخَرَ حُشِرَ فِي هَذا المَكانِ بِالخَطَأِ.

أَجْلِسُ بِجانِبِ البِئْرِ وَأَنْظُرُ إِلَى القاعِ المُظْلِمِ، وَأَشْعُرُ فَجْأَةً بِكُلِّ ما كَتَمْتُهُ طَوالَ رِحْلَتِي يَنْفَجِرُ مِنْ أَعْماقِي. تَبْدَأُ الدُّمُوعُ بِالانْهِمارِ دُونَ أَنْ أَسْتَطِيعَ السَّيْطَرَةَ عَلَيْها، كُلُّ دَمْعَةٍ تَسْقُطُ فِي القاعِ الجافِ تَحْمِلُ ذِكْرى مِنْ ماضِيي، حُلْمًا مِنْ مُسْتَقْبَلِي، سُؤالًا مِنْ حاضِرِي. أَدْمَعُ لِأَنِّي تَعِبْتُ مِنَ الغُمُوضِ، مِنَ الأَسْئِلَةِ الَّتِي لا إِجاباتَ لَها، مِنَ الوَحْدَةِ فِي هَذِهِ الرِّحْلَةِ الَّتِي لَمْ أَخْتَرْها. أَدْمَعُ لِأَنِّي أَخافُ مِمّا سَأَصْبَحُ عَلَيْهِ بَعْدَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ، وَلِأَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ شَيْئًا فِيَّ سَيَتَغَيَّرُ إِلَى الأَبَدِ.

"كُلُّ دَمْعَةٍ تَهْطِلُ فِي قَلْبِ الْبِئْرِ ** تَحْمِلُ أَسًى مِنْ زَمَنٍ كانَ غائِبْ
تَرْوِي ظَمَأَ الأَيَّامِ وَالذِّكْرَياتِ ** وَتُنْبِتُ فِي أَحْشاءِ الأَرْضِ العَجائِبْ
وَالنَّخْلَةُ العَجُوزُ تَحْنُو بِشَفَقَةٍ ** وَالطِّفْلُ يَنْظُرُ بِعُيُونِ المُعْجَبْ"

أَدْخُلُ الفِيلَا وَأَجِدُ نَفْسِي فِي رُدْهَةٍ فَسِيحَةٍ، أَرْضِيَّتُها مِنَ الرُّخامِ الإِيطالِيِّ المُتَشَقِّقِ يَحْمِلُ آثارَ أَقْدامِ الأَجْيالِ. سَقْفُها العالِي يَحْمِلُ ثَرْيا بَلَّورِيَّةً مُغَطّاةً بِالغُبارِ، تَلْمَعُ بِشَكْلٍ شاحِبٍ تَحْتَ خُيُوطِ القَمَرِ المُتَسَلِّلَةِ مِنَ النَّوافِذِ العُلْيا. عَلى الجُدْرانِ، لَوْحاتٌ زَيْتِيَّةٌ تَظْهَرُ مَشاهِدَ مِنَ المِيثُولُوجِيا الفِرْعَوْنِيَّةِ، عُيُونُ الآلِهَةِ فِيها تَبْدُو وَكَأَنَّها تُتابِعُ كُلَّ حَرَكَةٍ أَقُومُ بِها.

فِي مُنْتَصَفِ الغُرْفَةِ، يَقِفُ الحارِسُ الأَوَّلُ بِمَلابِسِهِ السَّوْداءِ الَّتِي تَتَدَفَّقُ مِنْها ظِلالٌ مُتَحَرِّكَةٌ، وَبِجانِبِهِ آدَمُ الطِّفْلُ مُكَبَّلًا بِسَلاسِلَ مِنْ نُورٍ تَلْمَعُ بِشَكْلٍ مُؤْلِمٍ.

"أَخِيرًا جِئْتِ تَشْهَدِينَ فَشَلَكِ!" يَقُولُ الحارِسُ الأَوَّلُ بِنَبْرَةٍ مُتَعالِيَةٍ. "هَذِهِ السَّلاسِلُ مِنْ صُنْعِ قُوًى لا تَسْتَطِيعِينَ مُجارَاتَها، إِنَّها نَسِيجٌ مِنْ خِياناتِ الماضي وَخَوْفِ المُسْتَقْبَلِ!"

أَهُزُّ رَأْسِي وَأَنا أَشْعُرُ بِقُوَّةٍ غَرِيبَةٍ تَمْلَؤُنِي. "جِئْتُ لِأُثْبِتَ أَنَّ البَراءَةَ أَقْوى مِنْ كُلِّ قُوَّاكَ، وَأَنَّ الحَقِيقَةَ لا يُمْكِنُ قَيْدُها أَبَدًا."

"أَنْقِذِينِي..." يَهْمِسُ آدَمُ الطِّفْلُ بِصَوْتٍ مُرْتَجِفٍ يَحْمِلُ أَلَمًا يَعْرِفُهُ قَلْبِي قَبْلَ أُذُنِي. "لَقَدْ سَمِعْتُ نِداءَكِ مِنْ عالَمِ الأَحْلامِ، كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّكِ قادِرَةٌ عَلى سَماعِي."

"النِّداءُ؟!" يَضْحَكُ الحارِسُ الأَوَّلُ بِسُخْرِيَةٍ. "إِنَّها أَوْهامُ طِفْلٍ خائِفٍ!"

أَرْفَعُ الكِتابَ بِيَدِي الَّتِي لَمْ تَعُدْ تَرْتَعِشُ، وَأَتَقَدَّمُ نَحْوَهُمْ وَأَنا أَبْدَأُ فِي تِلاوَةِ الكَلِماتِ الَّتِي جاءَتْنِي كَوَحْيٍ:

"بِير إِمْ خَيْرُو إِمْ رَع سِتْخَم نِفْرُو إِبْ"
(أَنا المُقْبِلَةُ مِنَ النُّورِ، رَع مَنَحَنِي القُوَّةَ الجَمِيلَةَ الَّتِي تَشْرَقُ كَشُرُوقِ الشَّمْسِ فِي صَباحٍ جَدِيدٍ)

يَرْتَجُّ الحارِسُ وَكَأَنَّهُ تَلَقَّى ضَرْبَةً. "كَيْفَ تَعْرِفِينَ هَذِهِ التَّعْوِيذاتِ؟! لَقَدْ مَحَوْتُها مِنْ ذاكِرَةِ العالَمِ!"

"عانْخ إِبْرُو إِمْ دُوات حِرْ خَبِيرُو إِمْ آخْت"
(أَعْبُرُ مِنَ العالَمِ السُّفْلِيِّ مِثْلَ حُورُسَ المُجَنَّحِ فِي الأُفُقِ، أَحْلَقُ فَوْقَ ظَلامِ خِياناتِكَ نَحْوَ نُورِ الحَقِيقَةِ)

تَبْدَأُ السَّلاسِلُ حَوْلَ مِعْصَمَيْ آدَمَ الطِّفْلِ بِالتَّصَدُّعِ، يَخْرُجُ مِنْها نُورٌ أَبْيَضُ يَمْلَأُ الغُرْفَةَ. الحارِسُ يُحاوِلُ التَّقَدُّمَ نَحْوِي لَكِنَّ هالَةً مِنَ الضَّوْءِ تَظْهَرُ حَوْلِي وَتَصُدُّهُ.

"دِيد مِيدْج إِمْ حا إِيرُو إِمْ خُونْثُو إِرِي"
(أَقِفُ ثابِتَةً فِي المُواجَهَةِ مِثْلَ حُورُسَ المُنْتَصِرِ عَلى أَعْدائِهِ، لا أَرْتَعِشُ وَلا أَتَراجَعُ أَمامَ خَوْفِكَ)

"سِيبْك إِمْ دِيدُو إِمْ إِيزِيس إِمْ خُونْسُو إِر"
(أَنا الحِمايَةُ فِي الظَّلامِ، الإلَهَةُ إِيزِيسُ تَحْرُسُنِي بِنُورِ القَمَرِ الَّذِي يُضِيءُ دَرْبِي فِي أَحْلَكِ اللَّحَظاتِ)

تَظْهَرُ ظِلالُ الآلِهَةِ عَلى الجُدْرانِ، إِيزِيسُ تَحْمِلُ جَناحَيْها الواقِيَيْنِ، أُوزِيرِيسُ يَرْفَعُ صَوْلَجانَ الحُكْمِ، حُورُسُ يَمُدُّ جَناحَيْهِ مِنَ النُّورِ. الحارِسُ يَتَراجَعُ مَذْعُورًا وَهُوَ يُشاهِدُ القُوَى الَّتِي حاوَلَ قَمْعَها تَعُودُ بِقُوَّةٍ.

"عانْخ إِمْ خُونْسُو إِر إِمْ رَع إِمْ حِرِي إِب"
(أَحْيا بِقُوَّةِ القَمَرِ، الإلَهُ رَع يُضِيءُ طَرِيقِي فِي المَعْرَكَةِ بِنُورٍ لا يَنْطَفِئُ، نُورِ البَراءَةِ وَالحَقِّ)

"إِيرُو إِمْ ماعَت إِمْ سِخْمِت إِمْ حا إِب"
(أَقِفُ فِي الحَقِّ، الإلَهَةُ سِخْمِت تَقِفُ بِجانِبِي فِي المُواجَهَةِ بِنِيرانِها المُقَدَّسَةِ الَّتِي تَحْرِقُ الأَكاذِيبَ)

"دُوا ناتِر إِمْ إِيزِيس إِمْ أُوزِير إِمْ عانْخ"
(أَعْبُدُ الآلِهَةَ، إِيزِيسُ وَأُوزِيرِيسُ يَمْنَحانِي الحَياةَ الأَبَدِيَّةَ وَالحِكْمَةَ الَّتِي تَنْتَصِرُ عَلى الجَهْلِ)

"عانْخ إِبْرُو إِمْ خُونْسُو إِر إِمْ رَع سِتْخَم"
(أَعْبُرُ مِنَ الظَّلامِ بِنُورِ القَمَرِ، الإلَهُ رَع يُقَوِّينِي بِقُوَّتِهِ الَّتِي لا تَنْضَبُ، قُوَّةِ الحُبِّ وَالبَراءَةِ)

"دُوا إِيزِيس إِمْ أُوزِير إِمْ حُور إِمْ سِيد"
(أَدْعُو إِيزِيسَ وَأُوزِيرِيسَ وَحُورُسَ لِلْحِمايَةِ، فَأَنا الوَرِيثَةُ الشَّرْعِيَّةُ لِأَسْرارِهِمْ، حارِسَةُ الحَقِّ وَالبَراءَةِ)

"عانْخ إِمْ ماعَت إِمْ خُونْسُو إِر إِمْ رَع إِمْ حِرِي"
(أَحْيا بِالحَقِّ، القَمَرُ وَرَع يُضِيئانِ طَرِيقِي نَحْوَ الحُرِّيَّةِ وَالخَلاصِ، نَحْوَ عالَمٍ لا مَكانَ فِيهِ لِلْخِيانَةِ)

تَنْكَسِرُ السَّلاسِلُ أَخِيرًا مَعَ الكَلِمَةِ الأَخِيرَةِ، وَيَنْطَلِقُ آدَمُ الطِّفْلُ حُرًّا طَلِيقًا، يَرْكُضُ نَحْوِي بِعَيْنَيْنِ تَلْمَعانِ بِالأَمَلِ. الحارِسُ الأَوَّلُ يَخْتَفِي فِي دَوّامَةٍ مِنَ الضَّوْءِ، صارِخًا: "سامَحُونِي... لَقَدْ نَسِيتُ مَعْنى أَنْ أَكُونَ حارِسًا حَقِيقِيًّا!"

"وَانْكَسَرَتِ السَّلاسِلُ بِقُوَّةِ الْحَقِ ** وَزَالَتْ سَحَرَاتُ الْغَدْرِ وَالْخِدَعْ
وَعادَتِ الْبَراءَةُ تُزْهِرُ كَالْوُرُودِ ** وَاخْتَفَى الظَّلامُ وَجاءَ النُّورُ يَسْطَعْ
طُفْلٌ بَرِيءٌ وَحارِسَةٌ شُجاعَةٌ ** وَحِكايَةٌ فِي كِتابِ الْقَدَرِ تَدَوَّعْ"

أَعُودُ إِلَى القِطارِ وَأَنا أَحْمِلُ فِي قَلْبِي شَيْئًا جَدِيدًا. أَجْلِسُ فِي مَقْعَدِي وَأَنا أَشْعُرُ بِثِقْلِ الرِّحْلَةِ وَخِفَّةِ النَّصْرِ. أَنْظُرُ مِنَ النّافِذَةِ وَأَرَى الإسْكَنْدَرِيَّةَ تَخْتَفِي وَرائِي، لَكِنَّنِي أَعْلَمُ أَنَّ شَيْئًا مِنْها سَيَظَلُّ مَعِي لِلأَبَدِ. الخاتَمُ عَلَى إِصْبَعِي يَلْمَعُ بِلَوْنٍ ذَهَبِيٍّ هادِئٍ، وَكَأَنَّهُ يَهْمِسُ لِي بِأَنَّ المَعْرَكَةَ الأُولى قَدِ انْتَهَتْ، لَكِنَّ الحَرْبَ لا تَزالُ مُسْتَمِرَّةً.

أَفْتَحُ الكِتابَ وَأَجِدُ صَفْحَةً جَدِيدَةً قَدْ تَكَوَّنَتْ، تَظْهَرُ فِيها صُورَةُ البِئْرِ المُمْتَلِئِ وَشَجَرَةِ النَّخِيلِ المُزْهِرَةِ، وَتَحْتَها كَلِماتٌ تَكْتُبُ نَفْسَها أَمامَ عَيْنِي: "اللَّيْلَةُ الأُولى: اكْتَمَلَتْ. البَراءَةُ انْتَصَرَتْ. لَكِنْ تَذَكَّرِي أَنَّ كُلَّ انْتِصارٍ يَأْتِي بِثَمَنٍ. الذّاكِرَةُ الَّتِي فَقَدْتِيهَا اليَوْمَ كانَتْ دِرْعًا كُنْتِ تَحْتَاجِينَ لِلتَّخَلِّي عَنْهُ لِلانْتِصارِ فِي المَعْرَكَةِ القادِمَةِ."

أَلْمَسُ الصَّفْحَةَ وَأَشْعُرُ بِدِفْءٍ غَرِيبٍ يَنْتَشِرُ فِي يَدِي. أَعْلَمُ أَنَّ اللَّيْلَةَ القادِمَةَ فِي القاهِرَةِ سَتَكُونُ أَصْعَبَ، لَكِنَّنِي أَيْضًا أَعْلَمُ أَنَّنِي لَمْ أَعُدِ الخائِفَةَ الَّتِي كانَتْ فِي البِدايَةِ. دُموعِي لَمْ تَعُدْ عَلامَةَ ضَعْفٍ، بَلْ أَصْبَحَتْ سِلاحِي وَقُوَّتِي. وَآدَمُ الطِّفْلُ الَّذِي حَرَّرْتُهُ اليَوْمَ أَعْطانِي سَبَبًا آخَرَ لِلاسْتِمرارِ.

أَغْلِقُ عَيْنَيَّ وَأَنا أَشْعُرُ بِالتَّعَبِ يَغْمُرُنِي، لَكِنْ فِي قَلْبِي راحَةٌ لَمْ أَشْعُرْ بِها مُنْذُ بِدايَةِ هَذِهِ الرِّحْلَةِ. أَعْلَمُ أَنَّ الطَّرِيقَ لا يَزالُ طَويلًا، لَكِنَّنِي الآْنَ أَعْلَمُ أَنَّنِي لَسْتُ وَحْدِي فِي هَذِهِ المَعْرَكَةِ.

 

  

 

google-playkhamsatmostaqltradent