إن للذئاب قوانينها الخاصة،قوانينها الخاصة في الحياة،قوانينها الخاصة بالصيد، قوانينها الخاصة للعواء،اما عندما يبكي الذئب و هو ينشد في ضي القمر فذلك قصة اخري، فلنستمع معا الي انشودة ذئب.
_هايسكس يا عزيزي هل انت ذاهب إلى الصيد الآن؟
_نعم يا (توسكا)، قد حان الوقت.كيف حال صغاري؟
_إنهم بخير و هم في إنتظار عودتك سالماً يا حبيبي.
_أتذكرين يا (توسكا) يا حبيبتي كيف التقينا اول مرة منذ موسمين و تزوجنا؟ فقد كنت اجمل انثي في القطيع المجاور.
_ها ها، نعم يا حبيبي و هنا انا الان قد صرت الزعيمة زوجت (هايسكي) زعيم قطيع الذئاب.
_ولقد رزقنا الله بأطفال هم غاية في الجمال مثلك.
_نعم يا عزيزي، إن الذئاب الصغيرة هي (الأبن البار) كما يطلق عليه البشر، إذ إنه عندما يبلغ الذئب اشده فإنه يعني بوالديه عندما يبلغا الكبر و يصطاد لهما و يجلب لهما الطعام.
_مالي و البشر؟ انا لا احبهم علي اي حال.
__(هايسكي) كن عزيز النفس، ولا تجلب لنا لحم حيوان ميتا ولا نافقا،تذكر إننا نحن الذئاب لا نأكل هكذا.
_لن انسي يا عزيزتي.
_وإذا واجهت الموت من كريما مرفوع الرأس، ولا تقلق علي اولادك فإن سائر القطيع سوف يقوم برعايتهم، حالهم كحال ابناء الزعماء.
_اعلم يا عزيزتي، فتلك شيمنا نحن معشر الذئاب، وداعاً.
_وداعا يا حبيبي.
خرج الذئب (هايسكي) من جحره و اعتلي اعلي موضع في محيط القطيع و رفع رأسه إلي السماء و عوي، عوي كما يعوي الزعيم كل ثماني ساعات معلنا عن نطاق سيطرته و محذرا بقية القطعان من التدخل في منطقة نفوذه، هذا هو القانون غير المكتوب في عالم الذئاب.
تجمع عدد من افراد القطيع تلبية لنداء الزعيم و سأله احد الذئاب:
_أقد حان الوقت للصيد يا زعيم؟
_هايسكي:نعم يا (كتبغا) قد حان الوقت.
وخطب (هايسكي) في القطيع:
_يا معشر الذئاب، انا للصيد ذاهبون، فلتصطفوا صفا واحدا و لنتحرك سويا في إنتظار اوامري بالهجوم.
_كاتبغا: كلنا رهن إشارتك يا زعيم.
_هايسكي: وهل المجموعة المكلفة بحماية الصغار و كبار السن متخذتا اماكنها في القطيع؟
_كاتبغا: بالتاكيد، و هم علي اتم الاستعداد للفتك بكل من تسول له نفسه المساس بالقطيع.
_هايسكي: حسناً، فلنذهب.
تحت القطيع في ضوء البدر باحثا عن الرزق الذي سوف يمنحه الله إياه.
غريباً هي الذئاب شرسة مع من حولها، حنونة جدا فيما بينها، هم ابناء بررة فيما بينهم و لم يقوي إنسان أبدا علي ترويضها.
نظر (هايسكي) إلي البدر بعينيه الزرقاوان و بدأ ينشد:
سائراً في ارضك يا خالق الاكوان....
مستنيرا بضوء بدرك الذي أضاء بنورك طول الزمان....
مستمتعا بجمال خلقك في كل مكان....
سائلاً إياك الرزق اينما تطأ اقدام القطعان....
لاجل حبيبا و صغار هم لكرمك طامعين....
كن لنا يا رب لكرمك راجين....
_ما أعذب انشودتك ايها الزعيم (هايسكي), قالها احد الذئاب.
_أنه العهد الابدي بيننا معشر الذئاب، إياكم إن تنسوه يوماً،قالها (هايسكي)، كيف حال زوجة الزعيم السابق (ولنجو)؟، تابعه (هاسيكي) سائلاً.
الذئب: لطالما ظلت تعوي طوال عام مضي علي رحيله،لطالما باتت مريضة منذ رحيله، لم تتزوج منذ رحيله،حتي إن صغارها يرعونها و يقوم بالصيد من اجلها.
_هايسكي: تلك شيم الذئاب يا رفيقي. انا سعيد لانهم قد اجادوا الصيد الأن.
_الذئب: نعم، إنهم قد اجادوا الصيد منذ ان كانوا صغارا ذو اعين حمراء و هم قد صاروا احدث اعضاء فريق الصيد سنا.
_هايسكي: هذا جيد
سار القطيع لساعات وساعات، لا صيد، لا يوجد طعام.
_حسنا، فلنفترق الآن كي نغطي مساحة اكبر و عندما يجد احدنا صيد فليعوي للآخرين كي نصطاد جماعة فنحن لا نصطاد فرادة....قالها (هايسكي).
تفرق القطيع طبقا لأوامر (هايسكي) و قام هو بألاتجاه شمالاً.
_ماهذه الرائحة؟؟؟ قالها (هايسكي) محدثا نفسه. إنها رائحة طعام، نعم رائحة لحم طازج، إنها رائحة بشر.
ركض (هايسكي) بإتجاه الرائحة و التمعت عيناه (التي هي اقوي عينان بين الخلائق)، عندما شاهد مجموعة من البشر، نعم انهم بشر و بالتحديد رجل و ستة سيدات و طفل صغير، نعم إن عيناه تجيد التمييز بينهما.
اقترب (هايسكي) كثيرا كي يقوم بتحديد افضل مكان للإنقضاض علي الفرائس، فرأي رجل يجلس على الارض و من حوله تجلس ستة من النسوة صانعين دائرة وهن جالسات علي اطراف محيط الدائرة و بينهن مسافات متساوية و كأنهن يقمن برسم نجمة سداسية الاضلاع و هو جالس في المركز.
كما ان الرجل كان يجلس و حوله دائرة من الشموع المشتعلة، شموع سوداء، كبيرة و بالمثل كانت النسوة تضئ كل منهن شمعة كبيرة سوداء امامها.
_ عجباً، لما كل هذا التعقيد!!! قالها (هايسكي) مخاطباً نفسه، و استرد قائلاً: هل يمارسون طقس ما؟؟؟خاصا و إن القمر بدر الليلة!!!حسنا لا يهم، فقد حان موعد الصيد فلأعوى و اجلب القطيع و لننه مهمتنا.
احضروا جميعا يا شياطين الجحيم.....
تقدموا كي تجدوا خدامكم من البشر لأمركم مطيعين...
اقبلوا من كل صوب و حين....
و اننا ها هنا للشر فاعلين....
حملت الرياح تلك الكلمات إلي إذن (هايسكي)....
ما هذا؟تسأل(هايسكي)، و اردف قائلاً:
ماذا يقول ذاك الرجل؟؟؟يبدو غريباً. حسناً فالأستمتع إلي المزيد، فإنهم لم يهربوا علي اى حال، قالها (هايسكي) محدثا نفسه.
و ظل يترقب المشهد، لكن لم تلك المرأة الجالسة علي طرف من اطراف الدائرة تجلس معها طفلاً صغيراً لا يتعدي بضعة اعوام من العمر. إن هذا المكان ليس ملائماً لأصطحاب الاطفال خاصا و في تلك السن، ما أقصي البشر.
_لقد وجدت صيدا ايها الزعيم (هايسكي) ،قالها احد الذئاب.
هايسكي: اذهب و احضر باقي افراد القطيع، فلدي هنا ما اريد ان نتابعه سويا، و هو يبدو شيقا و مثيرا للاهتمام، اسرع.
_الذئب: أمرك سيدي القائد.
و تجمع القطيع حول (هايكسي) و طفقوا يشاهدون ما يحدث هناك. فقد كان الرجل الجالس في وسط الدائرة يشير إلي احدي السيدات، مخاطباً إياه قائلاً:
_تقدمي، قولي ما طلبك؟
_المرأة: اريد إيذاء ابن أختي.
_الرجل: ولما؟ هل قام بإيذائك؟
_المرأة:لا، لكنه لم يتزوج ابنتي و تزوج بأخري.
_الرجل: أو قد كان وعدها بالزواج؟
_السيدة:لا، لكنه ذو مكانة اجتماعية، يملك وظيفة مرموقة، وهو كذلك وسيم كالبدر. فلما لم يتزوج ابنتي؟؟؟و ما عيبها؟؟؟ اريد ان انتقم منه. أريده إن يصبح عبرة لمن يعتبر،اتفهم؟ إن لم يكن لي فالقبر له.
_الرجل: و ماذا تريدي له بالضبط؟؟؟
_المرأة:اريد له الفقر، الادمان المرض، السرطان و الموت.
_الرجل: هذا سهل، احضر فوراً يا شيطان الأذي.
حضر الشيطان المكلف بالأذي، و خاطب المرأة:
اسجدي لي و لك ما طلبت.
سجدت المرأة الشيطان.
_الرجل: أنصرفا سويا لتحقيق عهد الدم الابدي.
و هما بالإنصراف.....
اللعنة، قالها (هايكسي) لنفسه، تبا يا لك يا امرأة حقودة، و التفت إلي احد الذئاب، قائلاً:
_(ريكسي) عليك بتلك المرأة الحقيرة، التهم شيطانها اولا، ثم اقتلها و احملها فريسة الي عشيرتك من القطيع، أنقذ ذلك المسكين من شرها.
_أمرك سيدي، قالها (ريكسي) و انصرف ينفذ الامر.
تعلقت ابصار و اسماع القطيع بالدائرة مرة اخري، و سمعوا الرجل يهتف في المرأة الثانية قائلاً:
_تقدمييا امرأة، ما مبتغاك؟
_المرأة: أريد إن افرق بين زوجين حبيبين.
_ الرجل: لماذا؟ هل تشعرين بالغيرة لأنك وحيدة؟!
_المرأة: لا، انا متزوجة و سعيدة مع زوجي. لكنهما يسكنان بجواري و انا اراهما دائما سعداء، دائما فرحين، دائما ضاحكين اكثر مني، لديهما من الرزق اكثر مني، فلما يكونا افضل مني؟؟؟
_الرجل:الا يكفيكي إن اصيبهما بالفقر و المرض؟
_المرأة: لا إن قوتهما تكمن في وحدتهما، قم بالتفريق بينهما
_الرجل: ولك ما أردت. احضر فوراً يا شيطان التفرقة.
حضر الشيطان و دعاها الي السجود له فسجدت و طلب منها لإنصراف من اجل تجديد عهد الدم الابدي.
استشاط (هايسكي) غضبا و قال محدثا نفسه:
ويلك يا امرأة، اتريدين التفرقة بين قلبين لمجرد انهما سعداء؟ و ربي لسوف افرق بينك و بين روحك ذاتها.....(لايكي) عليك بتلك المرأة، اقطع رأس شيطانها و قم بفصل رأسها عن جسدها اللعين اجعل لحمها غذاء لعشيرتك من القطيع و لنتقذ هذان الزوجان من شرها.
_أمرك سيدي، قالها (لايكي) و انطلق لتلبية الآمر
و مرة أخرى التفتت الذئاب إلي دائرة الشر، و من جديد ارتفع صوت الرجل مخاطباً المرأة الثالثة قائلاً:
_تقدمي يا امرأة، ماذا تريدين؟
_المرأة: اريد ان اجعل زوجي مرتبطاً و متعلقا بي ابد الدهر.
الرجل:او لا يحبك؟
_المرأة: بلي، لكنني لا اريده إن يري عيوبي، اريده إن يري فقط عيوب نفسه، اريده إن يفقد ثقته في نفسه، اريد كالخاتم في اصبعي، اقم بتوجيهه كيفما اشاء، دون ان يعارض و دون ان يفكر حتي.
_ الرجل: إلي هذا الحد؟؟؟
_المرأة: نعم، اريده غاشيا الاعين، صاما الآذان، ابكم اللسان، اريده إن يبصر و يسمع و ينطق فقط من خلالي انا. انا لا اريد له الموت، بل ليحيي كي يمجدني انا.
_الرجل: يا لا غرورك يا امرأة، لكن لا مجال للغرور هنا، اسجدي فوراً لشيطان الربط و التعلق.
المرأة: انا ساجدة له منذ الآن.
الرجل: فلتنصرفوا معا، مجديين عهد الدم الابدي.
جن جنون (هايسكي) مما سمعه و رآه،أتريدي غدرا به و هو يحبك بالفعل!!!فقط كي ترضي غرورك؟؟؟بل انك تسجدين لشيطان لعين مثلك من اجل هذا؟؟؟؟تبا لك، قالها (هايسكي) لنفسه، و التفت إلي احد الذئاب قائلا:
_(تيشوڤي) قم بتمزيقها هي و شيطانها اربا اربا و احملها طعاماً الي عشيرتك في القطيع.
(تيشوڤي): امرك سيدي، و انطلق مسرعاً ملبيا الامر.
إتجهت الانظار مرة أخرى صوب الدائرة التي اخذت تتقلص بفعل الشر، تتضائل بفعل الحقد، و من جديد هتف الرجل في المرأة الرابعة قائلاً:
_تعالي يا امرأة، ما بالك؟
_المرأة:اريد تحطيم احد جيراني.
_الرجل: و لما؟
_المرأة: هو واسع الرزق، كثير المال، دائم الاسفار، محب للناس و الناس تحبه و تحترمه اينما ذهب
_الرجل:و ماذا إذا؟ استطيع ان اجلبه لك زوجا.
_المرأة: لا، لا اريد. فلا مكان للحب في قلبي.
_ الرجل: عجيب امرك!!!و ماذا تبغين له؟؟؟
_المرأة: اريده إن بتبدل حاله، ان لا يهنئ باله،ان يخسر ماله، إن تفسد علاقاته،ان تفسد حياته، إن يكرهه الناس، اريده إن يموت حيا، هل فهمتني؟
_الرجل: لمجرد الأذي!!!
_ المرأة:نعم لمجرد الأذي، انا استمتع بذلك.
الرجل: ولسوف يفرح شيطان إيقاف الحال بك كثيراً.
و سجدت المرأة الشيطان من تلقاء نفسها.
_إنصرفا سويا لتحقيق عهد الدم الابدي، قالها الرجل.
كادت امعاء (هايسكي) إن تقفز من فمه من هول ما سمعه. ويحك اتدمرين رجلا لا ذنب له سوي إنه ناجح؟؟ لا، لا ذنب له سوي انك انت عرفتيه. قالها (هايسكي) مخاطباً نفسه، (ڤيجا) تول امر هذه الحقيرة اسلخ شيطانها حيا امامها،ثم تلذذ بسلخها حية و انتزع قلبها الذي لا يعرف الرحمة، و مزقها اربا اربا و احمل لحمها غداء لعشيرتك من القطيع.
_(ڤيجا): امرك سيدي.
التفتت الانظار مرة أخرى إلي دائرة الشر و قام الرجل بأمر السيدة الخامسة:
_هلمي يا امرأة، ماذا لديك؟
_ المرأة:أريد إيذاء ابناء اختي.
_ الرجل: ولماذا؟
_المرأة: انهم اصحاء،متفوقين،لصلاواتهم موئدين و لأبائهم باريين.
_الرجل: و ما عيب ذلك؟
_المرأة: إن اولادي فاشلين، جاحدين، للخير ناكرين.اريد إن يصبح حال اولادها اسواء من حال اولادي.
_الرجل: إلا تريدين إصلاح حال اولادك!!!!
_المرأة: لا هذا صعب، لكن الايذاء اسهل كما انني اريد ان احرق قلبها عليهم.
_الرجل: لك هذا و اكثر، فقط اسجدي للشيطان المكلف بسلطة الارحام و لتمضيا سويا من اجل تجديد عهد الدم الابدي.
ارتفعت حرارة (هايسكي) بالرغم من برودة الطقس حوله و انتصب شعر جسده غاضباً، يا لك من شيطانة، اتريدين تدمير اطفال ابرياء لمجرد انهم طيبين و ناجحين؟و اطفال من؟؟؟ اطفال اختك!!!!! اين هي صلة الرحم التي بها تنادون؟؟؟ قالها (هايسكي) لنفسه.
_(چيركي)، عليك بتلك اللعينة هي و شيطانها، قم بتمزيقهما سويا حتي تختلط اشلائهما سويا فلا يستطيع احد مهما كان إن يفرق بينهما، و لنتقذ هؤلاء الأطفال من شر اقرب الناس لهما.
و إنطلق (چيركي) منفذاً الامر.
_ لم يبقي سوي نحن يا (كتبغا)،....قالها (هايسكي).
_كاتبغا: نعم يا سيدي القائد و لقد جن جنوني.
_هايسكي: اعرف، لكن الانتقام قادم و علي قدر الأذي يكون للانتقام.
و التفتا سويا الي الدائرة الملعونة، دائرة الشر، دائرة الجحيم حيث تجلس المرأة الاخيرة مع الساحر.
قامت المرأة السادسة من موضعها، و كانت جد قاسية الملامح، ذات وجه ثابت خال من اية انفعالات او تعبيرات، كانت نظراتها زائغة ، خاوية، مخيفة تشعرك انها تري شيئا آخر من خلالك، انها تملك عينان حينما تنظر إليهما تشعر و كانك تتظر إلي جانب الجحيم من خلالهما و تنتابك قشعريرة باردة كالثلج، و كانت تبتسم بركن فمها الايسر و كأنها شيطان مارد يسخر منك.
و بينما هي سائرة تجاه الرجل كانت كانت تداعب خصلة شعرها الأسود الطويلة التي تنسدل علي عيناها في دلال مصطنع، و كانت تجرجر في يدها الاخري طفلاً صغيراً ذو اربعة اعوام، طفلاً مذعورا قد انهكه الخوف، طفلاً صغيراً قد استنفذ طاقته الرعب، لكنه مجرد طفل لا حول له ولا قوة مما جعله ينساق معها في استسلام.
جلست امام الساحر واضعا ساق فوق الاخرى في تكبر واضح و هي تنظر له نظرة رهيبة، و اجلست الطفل تحت اقدامها في صورة من التعالي.
امعنت النظر إلي الساحر و امالت راسها الي الامام قليلاً و قالت بصوت يخلو من اي تعبيرات، صوت بارد رتيب، صوت يبدو رقيقاً لكنه بارداً، صوت بنغمة واحدة فقط لا تتغير:
_لقد جئتك في الموعد.
_الساحر: كعادتك دائما، اري و انك قد احضرتي الطفل.
_المرأة: بالتاكيد.
_الساحر: طفل من هذا؟
_المرأة: هو ابن خادمتي.
_الساحر: و كيف اقنعتها؟؟؟
_ المرأة: و لم أقنعها؟ كنت قد امرتها. قلت لها انني علي صدد القيام بسفر و انني اريد ان أخذ ابنها معي كي يخدم اطفالي و يلعب معهم، إن المال يفعل كل شيء كما تعلم.
_الساحر:ليس تماماً.
_المرأة: اخرس، حتي انت قد اشتريتك بمالي
_ الساحر: انا لم اعرف الخوف يوماً من إنسان سواك. حسناً هل انت مستعدة لتجديد عهد الدم الابدي.
_ المرأة: بل قد اتيت لإتمامه.
_الساحر: إلا يكفيك ما حل به بسببك؟
_ قالت المرأة وهي تضحك ضحكة كاد ان ينطفئ لها الجانب المضيء من القمر:زوجي العزيز، مممم انا معه إلي النهاية، انا معه حتي اصليه الجحيم في الدنيا.
_الساحر:فقط اريد ان افهم لماذا؟ قد قلت لي سابقا إنه اكثر منك مالا و اعز نفرا.
_ المرأة: نعم.هو كذلك.
_الساحر: و قد أعطيتك من السحر ما كدت به إن تفقديه ماله و تبعديه به عن اهله و اصدقائه و احبائه.
_المرأة: بالتأكيد.
_الساحر: و لقد قلت لي سابقآ إن الله قد حاباه بصحة جيدة.
_المرأة: نعم، هو كذلك.، فانا اريده لي فقط، و إلا فالقبر اولي به
_ الساحر: و قد أعطيتك من السحر ما كدت به إن تنهي حياته نفسها.
_ المرأة: بالتأكيد.، فقد اردت موته لأرث ماله.
_الساحر:وقد قلت لي سابقا إنه محبا للحياة، يحيي كالبحارة تاركاً حبيبا في كل مكان.
_المرأة: نعم
_ الساحر: و قد أعطيتك من السحر ما كدت به إن تطفئى نور حياته.
_ المرأة: بالتأكيد، اريده إن يمتثل لأمري، إن يخصع لأرادتي.
_ الساحر: و قد قلت لي سابقا إنه يتطلع إلى كل جديد و طموحه كبير.
_المرأة: نعم.
_ الساحر: و قد اعطيتك من السحر ما كدت به إن توقفي حاله.
_المرأة: و قد كان قوب قوسين أو أدنى من ذلك.
_الساحر: و قد قلت لي سابقا إنه هو من صنعك، هو اللي علمك الكلام، علمك كيف تصيري سيدة مجتمعات، لم يبخل عليك بشىء يوماً و إنه فضلك علي نساء العالمين، فماذا تريدين!!!؟؟؟
_المرأة:يا احمق انت لا تفهم، انا لا اريده انا يشعر بقيمة نفسه...
فقد تزوجتي و انا صغيرة في كل شيء و الان انا قد كبرت في كل شيء.....
انا اكبر و اكبر و اشهر انني سوف اتخطاه يوماً...
فمثلما انسيته إن ينظر إلي الافضل مني و انا صغيرة فلا يجب ان ينظر إلى غيري الآن....
إنني اسعي الي غيره في تلك المرحلة من حياتي.....
إن دوره قد انتهي، الا تفهم!!!!!!
انا اسعي الي الافضل......
_الساحر: الا يكفيك إنه ذهب إلي اقصي الارض ليبتعد عنك؟؟؟
_المرأة: ويله، قد ذهب إلي هناك و قد ادركت الناس الآن إنه قد صار افضل منذ ان ابتعد عني. إنه عالم صغير كما تعلم.
_ الساحر:و ماذا تريدي إذا؟
_ المرأة:أريده أن يعود لي جاثيا، راكعا، ذليلا، كي ابرهن للناس جميعاً إنه هو المخطئ و إنه من دوني لا شىء.
_ الساحر: ثم؟
_المرأة: اذبحه، نعم سوف اذبحه في اليوم آلف آلف مرة، فقط كي يدوم مجدي انا، اتفهم مجدي انا.
_الساحر: إلي هذا الحد؟
_المرأة: نعم كل الاخضر لي، كل الجميل لي، كل الخير لي. انا وحدي، انا وحدي، ها ها ها ها ها .
كادت عينا (هايسكي) و (كتبغا) إن تجحظا من محجريهما و هما يسمعان تلك الكلمات و قد اتفقا فيما بينهما إن الانتقام سيكون مريعا، مريعا بحق.
و من جديد شاهدا تلك المرأة و هي تقف امام الساحر و ظلها يمتد خلفها و كأنه ظل شيطان يعوي في اغوار الجحيم، و كان الشياطين لها ظلال، و وقفت تحت ضوء البدر، رافعا سكين كبيراً في يدها اليمنى، و ممسكاً بالطفل في يدها اليسرى، ناظراً إلي القمر المكتمل و هي تقول:
امنحوني قوتكم يا أبالسة الجحيم....
قونني بشركم الرابط في اغوار الجحيم...
مدوني بالطاقة كي احيل حياة من شعرت به غيرا إلي جحيم...
زودوني غلا اسقي به من كرهته من مرار الجحيم...
اشعلوني غضبا كي اسلط علي من خدعته نيران الجحيم...
اعطوني القدرة كي ارسل اليكم من سحرته الي اقاصي الجحيم...
و نظرت إلى الطفل المذعور الذي شله الخوف.....
و ذبحته.....
ذبحته بدم بارد...
ذبحته بلا خوف...
بلا شفقة....
و ازدادت عيناها اتساعاً....
و ازدادت عيناها بريقا...
و اتسعت الابتسامة علي ثغر فمها...
التقينا اخيرا......
_سيدي ابليس، قالها الساحر و هو يخر ساجداً.
_قد اشتقت إلي رؤياك، قالها ابليس.
_أحقا؟ اجابته المرأة متسائلة.
__نعم فلقد حدثني اتباعي عنك منذ زمان، اجابها إبليس.
_و ماذا قالوا لك عني؟ إجابته المرأة سائلة.
_قالوا، اننا قد وجدنا امرأة هي اسوأ من اي شيطان...
إمرأة لطالما قابلت الاحسان بالإساءة...
إمرأة ازادادت إجحافا و نكرنا لاقرب الناس و لكل الناس...
إمرأة اجادت قلب الحقائق...
إمرأة نافقت الجميع حتي انها قد نافقت نفسها....
إمرأة قد تحالفت مع شياطين الانس والجن حتي انها غلبتهم جميعاً...
إمرأة قد وصل علمنا لها منتهاه و لا نقوي لها طلبا...
فتركنا امرها لك يا ابليس....
_هاهاها، هكذا إذا. نعم انا الافضل دائما، انا استحق ان اكون الافضل. قالتها المرأة.
_أحكيك معلمتي، فقط اعلمي انني قادر علي تحقيق ما تريدين، قالها ابليس.
_و ماذا تريد في المقابل؟ سالته المرأة.
_ إن اسجدي لي، قالها ابليس.
_ لا، إجابته المرأة.
_ ولم لا؟ سألها ابليس.
_انا لا اسجد إلا لله، اجابته المرأة.
_الله، و هل تعرفين الله!!!!!تعجب ابليس... و استطرد قائلا:
انك و من امثالك ممن تقرئرن القرآن و تفسرونه حسب اهوائكم...
يا من تدعون الي صلة ارحام و تقطعونها....
يا من تمنون علي الله زكاة اموالكم....
يا من تقوموا بالافطار في رمضان علي الغيبة و النميمة...
يا من تفترون علي الله كذباً....
يا من تنقدون الناس دوماً و انتم عن عيوبكم معميون....
يا من تريدون خراب بيوتاً مدعين نية الاعمار...
يا من تقللوا شأن الاخر و تعلوا من شأنكم الحقير...
انت و امثالك يا من تذكرون الله و تتناسوه عندما تريدون...
إعلمي انك انت و من معك انكم طالما كنت لي ساجدين منذ الازل...
و انك و من تبعك في الجحيم معي لابسين ابد الابدين...
_بل سأمنحك ما لا تحط به علما لو اتبعتني، قالتها المرأة.
_ يبدو هذا مثيرا للاهتمام، لكن ماذا تريدين في المقابل؟ سألها ابليس.
_ اريدك ان تسجد لي، إجابته المرأة.
_ويحك، أسجد لك انت!!! لقد طلب مني الله و هو رب العالمين إن اسجد لأدم و هو النبي فرفضت ، و ها انت الآن تريديني إن اسجد اليك انت؟؟؟؟؟!!!! و ربي ان غرورك و من اتبعك قد فاق غرور الشيطاين اجمعين، اجابها إبليس.
_ لما لا تجرب؟؟؟ سالتها المرأة.
_ لا ، انني اخاف الله رب العالمين، قالها ابليس و انصرف مذعورا.
(كتبغا) عليك بالساحر، وأترك لي تلك اللعينة، قالها (هايسكي).
وثب (كتبغا) علي الساحر الذي حدق إليه في رعب و حاول موليا الفرار، فما كان من (كتبغا) إلا إن قام بتمزيق اوتار كاحله ( كعب اكيليس) بحركة مباغتة جعلته غير قادر علي المشي.
وقف (كتبغا) علي صدر الساحر ناظراً إلي وجهه في غضب مخاطباً إياه:
_قد حانت ساعتك يا شيطان الإنس.
و تناول شمعة سوداء و اشعل بها جسد الساحر، احترق كما احرقت الناس في الدنيا، قالها له و هو يشعل فيه النار...
صرخ الساحر الما، فبادره (كتبغا) بشمعة اخري فأخري و الساحر يتلوي الما، يحترق، يشتعل، يتفخم و (كتبغا) يتأمله في تشف مخاطباً إياه:
_احترق، احترق، كي تصل إلي اعوانك من الشياطين في قاع الجحيم و لتحترقوا جميعاً هناك الي ابد الابدين.
و نظر إلي ( هايسكي) الذي كان يقف مواجها المرأة.
_ مرحبا، قالها (هايسكي).
_ ماذا تريد يا حيوان!!! اجابته المرأة سائلة.
_الأنتقام، فقد اريد الانتقام، إجابتها (هايسكي).
_ مني انا!!!!و ماذا فعلت لك؟؟؟؟ إجابته المرأة سائلة.
_ من اجل إنسان. جاهد ان يصنع منك إنسان. اجابها (هايسكي)..
_ ألا تعرف من انا؟؟!!! انا........
لم يمهلها ( هايسكي) كي تكمل، بل فقد قام بالوثب عليها قضم ذراعها الايسر و فصله عن جسدها، و قفز من عليها و هو يبصق الذراع في اشمئزاز، متأملا إياها و هي تتلوي الما.
_تألمتي اليس كذلك؟ سألها (هايسكي).
_الرحمة، جاوبته المرأة
_ و هل عرفت الرحمة يوماً، اجابها (هايسكي) و هو يمزق ذراعها المبتورة امامها اشلاء و اشلاء.
_بالله عليك كفي، صرخت به المرأة.
_انها مجرد البداية يا عزيزتي، فلا تملي مني، انني معك حتي النهاية، خاطبها (هايسكي) .
و قفز عليها من جديد فاعلاً نفس الشيء بساقها اليمني.
_لما تفعل هذا؟؟؟سألته المرأة.
_ يمكنك ان تعترينني انتقام الله في هذه الدنيا، اجابها (هايسكي).
و قفز عليها مجدداً فاعلاً نفس الشيء في ذراعها الايمن.
_حرام هذا كثير، انا لا اقوي علي التحمل صرخت المرأة.
_تحملي، فقد تحمل زوجك منك الكثير و الكثير، تحمل منك ما لم يقوي عليه بشر، تحمل منك مالم تحط الشياطين علما، قالها ( هايسكي).
و قفز مجددا فاعلاً نفس الشيء في ساقها اليسري.
_ اقتلني، ارجوك ارحمني، صرخت به المرأة.
_ لا، قالها (هايسكي) وتابع قائلا:
بل سوف اتركك تنزيفين في بطء كي تشهدي اشد انواع العذاب و انت تشاهدين جسدك الممزق من حولك، و انت ترعتبين من مجرد التفكير مما هو آت بعد الموت.
نعم، انك لطالما حييت حقيرة و لسوف تموت وحيدة.
و أعلمي انني لم احمل لحمك الي اولادي بل سوف اقوم بتركك هنا حتي تصبحي جيفة نتنة يأكلك الدور و انت فوق الارض، فحتي التراب لا تستحقينه، أفهمت؟؟ حتي التراب لا تستحقينه.
(كتبغا)...
اذهب إلي القطيع،...
إذهب و اخبرهم بما حدث...
إذهب و اخبرهم بأن يستعدوا الي الرحيل...
إذهب و اخبرهم اننا ذاهبون الي ارض اخري...
إذهب و اخبرهم اننا ذاهبون الي ارض اخري كي نطهرها من شر هكذا انسان...
إذهب يا (كتبغا)...
ذهب (كتبغا) و جلس ( هايسكي) متأملا الجسد الذي مزقه الشر و الحقد و الغل و الغرور و الحقد و الكبر قبل ان يقم هو بتمزيقه شر ممزق بمخالبه و انيابه حتي همدت حركته تماماً.
قرر (هايسكي) العودة إلى القطيع..... و بينما هو عائد انشد (هايسكي):
عائداً ،متثاقلا، حزيناً، اشكو اليك همي يا رحمن...
قد رأيت إنساناً يتشكل كأقبح شيطان...
رأيت دم برئ يراق من اجل إغضاب الرحمن...
سمعت فحيح إنسان هو إسواء من فحيح اي ثعبان...
سمعت أسواء كلام يدعو إلى تحطيم إنسان...
شممت رائحة غدر لم اعهدها قبلا في اي مكان...
ادركت شيطانا خائفاً ولي مذعورا مستعيذا بك من شر هكذا انسان...
نعم، قد عدت خالي الوفاض بلا طعام...
لكنني عدت بما لدي لأقصه لأولادي و هو من غرائب الزمان...
جلبت لهم زادا يذكرونني به يوم القاك يوماً من الايام...
و رفع ( هايسكي) رأسه إلي السماء متأملا البدر....
و عوي....
و عوي....
و عوي....
عوي ( هايسكي) كما لم يعوي ذئبا من قبل.....
و التمعت من عيناه دمعة في ضوء البدر....
و هو يعوي قائلاً:
اللهم لك الحمد إن خلقتني ذئبا....
و لم تخلقني كهكذا انسان....
د. سامح هدهود