قد يكون بداخل كل منا بطل غير مكتشف، و قد يتم إكتشافه في لحظة واحدة في العمر ،لكنها لحظة قد تسوي العمر كله، لنتابع سويا مذكرات بطلة من مصر.
طيبة، عام ٦٧١ ق.م.
_سيدي فرعون (طاهرقا) لقد وصل الجيش المصري إلي مشارف المدينة.
_طاهرقا: ويحك ماذا تقول ايها الوزير!!!
_الوزير: انهم يكتسحون جنودنا يا مولاي الفرعون.
_طاهرقا: الا يكفي (نخاو) ما استولي عليه من اراضي وصولاً إلى (منف)؟!!!
_الوزير: أعذرني يا مولاي الفرعون، لكنك تعني (حرر) لا (استولي).
_طاهرقا:صه يا وزير، إن ارض مصر هي لنا نحن ملوك النوبة.
_ الوزير: انها ارض الفراعنة يا مولاي، إنه التاريخ.
_ طاهرقا: التاريخ التاريخ، ويلا للتاريخ. إننا نحن من يكتب التاريخ يا وزير. التاريخ يكتبه فقط الاقوياء.
_الوزير:لكنهم هم الاقوي اليوم يا مولاي الفرعون، الا تسمع صوت سنابك خيولهم و عجلاتهم الحربية؟
_طاهرقا: وليكن، آتني بالعمدة (مونتو إم).
_مونتو إم: لبيك مولاي الفرعون.
_ طاهرقا: سأهرب إلي اقصي الجنوب يا (مونتو إم)،عليك بالصمود في وجه (نخاو).
_مونتو إم: أمرك سيدي الفرعون.
_طاهرقا: دمر المدينة قبل ان يستولي عليها (نخاو).
_مونتو إم: لكن يا مولاي الفرعون إنها تحفة معمارية، معجزة هندسية.أنت نفسك قمت بتشييد الكثير و الكثير في الكرنك خاصاً في الفناء الاول.
_طاهرقا:لقد قمت بتشيده من اجل مملكة (كوش) النوبية لا لأجل مصر الفرعونية. يا وزير، أتني بالعراف.
_الوزير: سمعا و طاعا سيدي الفرعون.
_العراف: لبيك مولاي الفرعون.
_ طاهرقا: اخبرني يا عراف البلاط الفرعوني كيفما سيكون المستقبل
_العراف: اخشي إن ما سوف اقوله لن يعجب مولاي الفرعون.
_طاهرقا: هاك، قل ما لديك.
_العراف:
سوف تسحق سنابك خيل أصحاب الوادي قلاع محتل الوادي...
ولسوف يصبح ابن مدينة (سايس) اول فراعنة الاسرة السادسة والعشرين...
بعدما ينتصر على آخر فراعنة الاسرة الخامسة و العشرون و يطرده من الوادي...
وقبل ما يفر الفرعون النوبي الأخير سيدمر قدس الاقداس...
و لسوف يطلق لعنة في الصحراء غرب الشلال الاول...
و لسوف تنشط بعد آلاف السنين...
متجهتا الي وادي النيل جنوب الشلال الاول...
في بحر اعذب عظيم حفره المصريين...
محجوزا خلف بناء شامخاً عظيم لقبوه بالعالي...
بالغا حجمه اضعاف ما بناه اجدادهم من الاهرام...
و لسوف يتصدي جند مصر الحديثة بوحوشهم و طيورهم المعدنية...
محاولين منعها من ايقاف تدفق ماء النيل...
ولسوف تعرف سر لعنتك فتاة من مواليد وادي النيل...
فتاة ستولد يوم سطوع الجبار...
اول حرف من اسمها كأخره...
فتاة في منتصف العمر...
فتاة جميلة كالنيل لها مثل سحره...
ستعرف السر...
و تعاون جيشاً هو الأعتي علي ظهر البسيطة...
متحدتا و إياه من اجل قهر اللعنة...
و قاهرة كيد احفاد احفادك الملاعين...
الذين ظلوا ابد الدهر جاهدين ايقاف جريان النيل...
لكنهم لم يعلموا ابدا ان لمصر جيشاً يحمي نيلها...
و ان هناك آلف آلف فتاة بذات الصفات...
لكنها واحدة فقط ستعرف السر...
_طاهرقا: تبا لك، ماذا تقول؟! أسينتصر ذلك المصري علينا نحن ملوك النوبة؟
_ العراف: نعم.
_طاهرقا: و لسوف تساعد جيشهم فتاة بعد آلاف السنين! منذ متي و النساء تقاتل في الجيش؟؟؟
_ العراف: إنهم قوم غيركم، كل فرد فيهم مقاتل
_ طاهرقا: ويلا لك، أتمجدهم!!!! قد حكمنا عليك بالموت. يا وزير أصلبوا هذا العراف اللعين و أحرقوه حيا.
_العراف: كنت اعلم انك سوف تفعل هذا. و لسوف نلتقي في الجحيم.
وفي الايام التالية لم يستطع (مونتو إم) الصمود امام جيوش (نخاو) الذي قام بتحرير المدينة المدمرة، و الذي اصبح اول فراعين الاسرة السادسة والعشرين.
هرب (طاهرقا) تاركاً (مونتو إم) يواجه مصيره المحتوم، متجها صوب الجنوب. و في احد الليالي خيم (طاهرقا) جنوب الشلال الاول متأملا الشمس الغاربة محدثاً نفسه في مرارة:
_ أقد زال ملكي؟ ضاع مني ملك مصر؟ لا لا سوف اعود بعد ما اكسر شوكة المصريين. نعم سوف اضعفهم و انهك قواهم ثم احاربهم مجدداً انا و من ياتي بعدي. علي بالنيل. يا وزير أتني بالساحر.
_ الوزير: لبيك مولاي الفرعون.
_ الساحر: لبيك مولاي الفرعون.
_ طاهرقا: أطلق لعنة النيل
_ الساحر: لعنة النيل!!! انها اشد اللعنات فتكا التي صنعناها نحن سحرة الحبشة، حتي انها قادرة علي القضاء على امة باكملها سيدي الفرعون.
_طاهرقا:و هذا ما ابغيه لتلك البلاد التي تمردت علي حكم الحبشة.
_الساحر: لكنها الالهة وحدها تعرف كم من الوقت سوف تستغرق كي تنشط مولاي الفرعون.
_طاهرقا:لا يهم،ان لم يكن انا فليكن من سيأتي بعدي، المجد للحبشة.
_الساحر: آمر فرعون.
غرب مدينة أسوان، الوقت الحالي:
و الأن يا اعضاء فريقي الاعزاء، نحن بصدد القيام بكشف أثري من أعجب ما يكون في تاريخ مصر الفائت.
_إسراء:لكن هذا ليس طبيعياً يا دكتور (أحمد)، آثار تنتمي لمملكة (كرمة) هنا في أسوان.
_د.أحمد: لست اتحدث عن معابد، بل اتحدث عن مقبرة كبيرة حدد موضعها الرادار الارضي وصور الاقمار الصناعيه و اغلب الظن انها ملكية.
_إسراء:ملكية؟؟ و هنا ، هنا في غرب سهيل!!!
_د.أحمد:هذا اغلب الظن، سوف يكون امامنا يوما شاقا. لكن لا بأس ببعض العمل في شمس مايو الدافئة بدلاً من العمل تحت اشعة شمس اغسطس الحارقة.
هنا دق جرس هاتف ( إسراء) الشخصي.
_إسراء:اهلا يا امي، كيف حالك؟
_الأم: اهلا حبيبتي، فقط اردت ان اطمئن عليكي
_إسراء:امي انا لم اعد طفلة، لا تقلقي هكذا ارجوك.
_الأم:كل عام و انت بخير صغيرتي، اليوم عيد ميلادك.
_إسراء: اشكرك اماه، لكنني بصدد القيام بعمل هام الآن، القاك لاحقاً، احبك، وداعاً.
الام: مازلت مشاكسة،حنونة، و أحيانا لا افهم تصرفاتك.
_إسراء:انها الجوزاء يا امي، انها الجوزاء. اننا بصدد القيام بعمل هام و لسوف يقتلونني إن تأخرت عليهم اكثر، وداعاً.
ذهبت (إسراء) مع اعضاء الفريق و دلفوا إلي داخل المقبرة، و بعد جهد استطاعوا قراءة الرموز المكتوبة.
_مريم:ما اغرب المكتوب هنا
_إسراء:نعم، مكتوب في الخرطوش الملكي انها مقبرة (طاهرقا) آخر فراعين الاسرة الخامسة و العشرون، لكن (طاهرقا) ليس مدفوناً في مصر.
_ مريم:أنظري، هنالك خرطوش ملكي آخر.
_ إسراء:كيف؟ أهنالك ملكيين مدفونين هنا؟؟؟ يستحيل.
_مريم: انها تحمل اسم (طاهرقا الساحر).
_إسراء: لا أفهم، ايكون (طاهرقا) قد قام بتشييد مقبرة ملكية لساحره؟ غريب هذا!!!
_مريم: إسراء، انت اكثرنا الماما بتاريخ ممالك النوبة، هل لك ان تذكيريني به؟
_إسراء:إن الحدود الجغرافية لمملكة النوبة تمتد من جنوب الشلال الاول جنوب اسوان وصولاً إلي مكان التقاء النيل الابيض و النيل الازرق عند الخرطوم.
تاريخياً، نشات مملكة (كرمة) عام ٢٥٠٠ق.م. عندما ضعفت الدولة المصرية، و في عام ١٥٠٠ ق.م. قام( تحتمس الاول) بضمها مرة اخرى الي الدولة المصرية.
لكنها تكونت مرة اخرى في عام ٧٢٧ ق.م. تحت مسمي مملكة (كوش)و الذين اطلقوا علي انفسهم (الاسرة الخامسة و العشرون) و التي سقطت عام ٦٧١ ق.م. علي يد الملك (نخاو) الذي جاء من مدينة (سايس) في وسط الدلتا اول فراعنة الاسرة السادسة والعشرين.
لاحقا، و بعد ميلاد السيد المسيح، نشأت ثلاث ممالك مسيحية نوبية: نوبيتا، المعرة و علوة، ثم انقسمت الي نصفين في القرن السادس عشر الميلادي، نصف شمالي حكمه العثمانيون و نصف جنوبي ظل تحت حكم سلطنة ( سنار) في السودان.
ليعود ( محمد علي باشا) ليوحدها مرة أخرى في القرن التاسع عشر، إلي ما آلت إليه اليوم ما بين مصر و السودان.
_ أنظروا الي هذا. كان هذا هو صوت (د.أحمد) قائد الفريق.
هرع أعضاء الفريق الاستكشافي ليروا ما هنالك. كي تفتح اعينهم في دهشة محدقين في النقوش المنحوتة علي لوحة جدارية عملاقة. و عجباً إن ما قرئوه كان هو ما قاله العراف منذ زهاء سبعة وعشرين قرنا من الزمان.
بحيرة السد العالي، بعد بضع ساعات:
_ صباح الخير يا عم ( إدريس)، كيف حالك؟
_ إدريس:كيف حالك يا (عبده)؟ كيف حال الصيد؟
_عبده:ماشي الحال.
إنه يوم آخر في حياة (إدريس) الصياد النوبي العجوز، إذ يجول البحيرة منذ ان ابصر النور ملقيا شباكه منتظراً ما يرزقه الله إياه. لكن ما هذا؟ سمكة ميتة تطفو علي سطح الماء؟سمكة اخري، بضع اسماك اخرى!! هل هناك من يقوم بالصيد بإستخدام الديناميت؟ إن الحكومة لا تسمح بهذا و هناك عقوبات صارمة ايضا. لما يشعر إن الهواء قد اصبح خانقا؟
هنا احس بثقل مفاجئ في الشباك التي قام بإلقائها للتو، عجباً هل امتلأت الشباك بهذه السرعة؟ قام بجذبها ليجد المئات و المئات من الاسماك الميتة في الشباك خاصته. غريب هذا!!
آخذ يجذب الشباك ، لكن لما يهتز سطح الماء هكذا؟ و كأن زلزالاً عنيفاً يضرب سطح الماء بقوة محدثاً خللا في توترها السطحي!هنالك شيئا ما يجذب الشباك انها ثقيلة، لا انها ليست ثقيلة بل هنالك شيئا ما يقوم بجذب الشباك من الناحية الاخري. ان القارب يوشك علي الانقلاب.
هنا توقف الجذب لكن شيئاً ما صدم القارب بقوة و انقلب في الماء.شاهد (إدريس) تمساحا ضخماً يسبح تجاهه محاولا إفتراسه. سبح (إدريس) بكل ما أوتي من قوة في اتجاه القارب طالبا النجاة.
لكن التمساح كان سريعاً، قوياً تشبثت انيابه بقدم (إدريس) محاولا سحبه تحت الماء. و من فوق سطح القارب ظل (إدريس) مجاهداً ركل التمساح محاولا إبعاده. " قاوم يا إدريس قاوم،لأن نزلت تحت الماء انتهت حياتك،قاوم النهاية". ظل قلبه يدق مراراً و تكراراً و الادرينالين يملأ عروقه، و العرق يغمر جسده اكثر ما يفعله الماء.
لكن للطبيعة قوانينها،اذ اطبق التمساح فكيه حول قدم (إدريس) مستعداً لسحبه تحت الماء، منميا نفسه بوجبة تبقيه حيا لثلاثة اسابيع علي الاقل.
كان ( إدريس) يري شريط حياته يجري امام عينيه. انها النهاية و يا لها من نهاية....
لكن لكن لما ينحسر الماء من حول التمساح؟ حتي ان التمساح قد ترك قدمه، لما احس ان التمساح يشعر بالخوف، و إن نظراته زائغة مرتعبة؟؟؟ هل تخاف التماسيح؟!ويلك يا (إدريس) ما هذا؟ إن هناك قوة شفط هائلة تسحب التمساح المسكين إلي الوراء في اتجاه الضفة الغربية لنهر النيل.
ماذا ايضاً؟ هل تخدعني عيناي؟؟ هنالك ناقة ضخمة تقف علي ضفة النهر تشرب الماء بعنف، لا انها تمتصه محدثتا تيارات مائية قوية تسحب التمساح في اتجاه الناقة.
إن حجم الناقة يكبر في كل ثانية، حرفياً كل ثانية، لقد اصبحت قرابة الاربعة امتار طولا، و ما إن اقترب منها التمساح حتي اتسع فكاها كما تفعل فكا الافعي، و ابتلعت التمساح. نعم ابتعلته قضمته واحدة. ثم تضخمت مرة اخري.
ظهرت ناقة اخري و فعلت نفس الشىء، ثم ثالثة فرابعة فعشرات النوق تفعل الشيء ذاته، ترشف مياه البحيرة بما تحتويه من تماسيح و اسماك، و تتضخم. يا إلهي ما تلك المخلوقات!!!
و هنا ظهرت ناقة اخري اضخم من سابقتها، حمراء اللون ، لون احمر قاتم كالدم، علي راسها ما يشبه التاج، تأملته في غضب، ثم برزت لها اذنين عملاقتين كأذان الفيلة.
هنا ملا طنين مجهول المصدر اذنه، طنين رهيب مرعب ، و سمع صوت يخاطب عقله يقول:" اذهب ايها المصري، اذهب و اخبر الآخرين عما رأيته، اذهب و اعلمهم بالرعب القادم، بالانتقام القادم من اعماق الجحيم منذ آلاف السنين. إذهب و لا تخف فلن تقتلك اليوم، ولكنكم جميعاً سوف تتمنون الموت يا احفاد ( نخاو).
إن الطين يزداد، و لم يعد قلب إدريس العجوز قادراً علي التحمل المزيد، و سقط.
غرفة عمليات السد العالي، بعد دقائق:
_ثمة مشكلة لدينا هنا يفندم.
_ ماهي؟
_هنالك خطأ ما في القرئات.
_ماذا لديك؟
_أن الموئشر يسجل يسجل انخفاضاً بنحو ثلاثة امتار في منسوب البحيره خلف السد.
_ ماذا؟كيف هذا؟ مستحيل! أرني ما لديك.
نظر المهندس(عمر) كبير مهندسي السد إلي ما اشار اليه المهندس (علي).
هذا غريب بل و مستحيل إن تلك الارقام حقيقية و تتزايد كل دقيقة، ماذا يحدث؟؟
_علي: لو استمر الحال علي هذا فإن توربينات السد لسوف تتعطل.
_ عمر:هذا يفوق الخيال، انها اكبر بحيره صناعيه في العالم و تحوي علي مليارات المترات المكعبة من المياه. رباه ما هذا؟؟ علي، ابلغ القيادة في القاهرة بما يحدث هنا.
_علي: علم و جار التنفيذ.
هنا اهتز المكان بقوة و عنف و ظهرت المئات با و الآلاف من تلك النوق التي صار حجمها يتعدي العشرة امتار. كانت تقترب من جسد السد لكن هذه المرة من وسط الماء.
اندهش ( علي) و تسأل : " نوق تسبح؟ و اين ؟ في بحيرة عميقة و مليئة بالتماسيح؟؟؟ لكن اين التماسيح؟ لما لا تقوم بافتراسها؟لن تجد التماسيح وليمة افضل من هذه؟ عجبا اول مرة اود بل احب ان اري تماسيح!!!
و هنا دوت الانفجارات، إذ كانت عشرات المقاتلات الحربية المكلفة بحماية السد تقصف تلك المخلوقات المريعة من كل جانب بلا رحمة و تصب عليها جحيما و حمما من السماء.
كما ان القوات البرية الموجودة علي سطح السد بادرت الي إطلاق كل ما لديها من نيران محيلا سطح الماء الي جحيم مستعر. استمر القذف بضع دقائق حتي ان الماء قد تبخر و اصبحت رائحة الهواء كالبارود.
و بعد ما انقشع الدخان ظهرت تلك المخلوقات من وسط النيران المشتعلة علي سطح البحرية و كأن شيئا لم يكن.
اقتربت مقاتلة من المخلوقات و ظل قائدها محاولا إطلاق كل ما لديه من مقذوفات حارقة موجهه،و هنا حدث شيء غريب، إذ تبدل موضع الناقة الموجه اليها القذيفة في سرعة خرافية حتي ان الاخيره قد ارتطمت بسطح الماء و انفجرت.
دهش الطيار فقرر القيام بجولة ثالثة لإطلاق النار، لكن الناقة سبقته و قفزت في إتجاه المقاتلة و حطمتها....و بدأت المجزرة.
مدينة أسوان، ذات التوقيت:
اجتمع الأهل و الاحبة في منزل(إسراء) للاحتفال بعيد ميلادها، في ليلة بهيجة امتلأت بالفرح والسرور.
_ مريم: عام سعيد يا ( إسراء) ، الا و لقد بلغت الخامسة و الاربعون.
_ إسراء: الخامسة و الاربعون في عيناكي، انا لم ابلغ الثامنة عشرة بعد.
_ مريم: نعم نعم ، انك تحتفلين بعيد ميلادك الثامن عشر منذ اكثر من عشر سنوات.
انظروا هذا الذي يحدث في التلفاز....كان هذا صوت والد (إسراء)، نظروا جميعا:
اهم الانباء: الحكومة تقرر فتح مفيض ( توشكى) في الاتجاه المعاكس كي يتدفق الماء الي بحيرة السد، و ورود انباء غير مفصلة عن حدوث اشتباكات قوية جنوب السد.
نظر الجميع محدقين لبعض مدهوشين مما سمعوه، من المفترض ان يفتح مفيض (توشكى) لأستيعاب الماء الزائد من فيضان النيل و ليس العكس.
و ما تلك الاشتباكات الدائرة خلف السد؟؟؟ إن هناك قوات تحمي السد من كل إتجاه.
و هنا انقطع التيار الكهربائي و ساد ظلام دامس الاجواء، ظلام حتي في كل الشوارع المحيطة، ظلام مخيف مطبق تقشعر له الأبدان.
ثم دوي صوت مرعب في السماء، فهرع الجميع الي النوافذ و الشرفات طالبين المعرفة، فشاهدوا العشرات و العشرات من المقاتلات تشق السماء جنوباً في اتجاه السد.
و كان ظاهرا للعيان إن السماء قد اصطبغت بلون الدم الاحمر المتوهج بإتجاه السد في دلالة قوية علي وجود انفجارات قوية ممتالية تصم الاذان.
أنظري يا ( إسراء) ، قالتها (مريم) مشيرة نحو الشارع.
كانت هناك المئات من الدبابات و المدافع و العربات العسكرية تملأ الشوارع متجهتا صوب الجنوب.
_إسراء: ما هذا!!! هل قامت الحرب؟ و هنا؟ في اسوان؟ عجباً إن جيش باكمله يحتشد، ما الذي يحدث؟ و ما من مجيب.
جنوب الصحراء الغربية، اليوم التالي:
كان قائد الجيش المصري الجنوبي يحشد قواته انتظارا للمواجهة، حيث احتشدت آلاف الدبابات و المدرعات في تشكيلات هجومية و دفاعية، مع مئات الآلاف من الجنود تحت ستر المدفعية و المقاتلات و المروحيات، جمعيهم بإنتطار الامر بالاشتباك.
كان القائد في غرفة العمليات يراقب عبر شاشات المراقبة الصور التي تنقلها الاقمار الصناعية العسكرية عن تحركات تلك الكائنات، متجهتا صوب الشمال، صوب دلتا النيل.
آخذ يفكر: ماذا لو وصلت تلك النوق الي الدلتا، و اطبقت علي النيل من الشمال و الجنوب؟ رباه انها سوف تكون النهاية. لكن اي نهاية؟ نهاية مصر؟؟؟ لا لا هذا لن يكون، سنقاتل حتي النهاية.
برز القائد الي جيشه مخاطباً إياه:
يا رجال، يا خير اجناد الأرض، إن الخطر قادم من كل حدب وصوب، و لا ندري كنهه و اعلم انه خطر غريب لم نعهده قبلا. لكن اهل كل فرد منا تعول عليه، مصر كلها تعول علينا. أمستعدون للموت يا رجال؟
هتف كل افراد الجيش: نموت نموت و تحيا مصر.
تبسم القائد و التفت إلي نائبه مخاطباً إياه: اعطني سلاحي الشخصي و اول انت القيادة من غرفة العمليات.
النائب: لكن يا سيدي....
القائد: هذا امر. و لسوف أقود جيشي بنفسي.
احتل القائد مع جنوده من القوات الخاصة مواقع امامية استعدادا للاشتباك، و ما إن ظهرت طلائع تلك الكائنات اللعينة حتي اصدر القائد امره: اطلق كيفما تشاء.
فتح الجيش نيرانه بكل قوة و من مختلف الاسلحة، لكن تلك الكائنات قد اكتسبت مهارات جديدة، انها تقفز في الهواء محدثة خلخلة في طبقات الجو مدمرة المقاتلات و كأن صاروخاً غير مرئي بدورها.
إن دانات المدافع الضخمة تنزلق من علي اجسادها في مشهد يبدو و كأنه يدور بالتصوير البطيء كما ينزلق الماء من علي ريش البط.
إن سرعة الرصاصات التي يطلقها الجنود لا تتماشي مع سرعة تلك الكائنات الضخمة.
انها تقفز في الدبابات و تستحقها.
و ظهرت من وسط اتون الجحيم المشتعل ناقة اضخم من الباقين، لونها احمر قاتم كلون الدم، علي راسها ما يشبه التاج، و ما نظرت إلي القائد حتي انفتحت اذنها الكبيرتين، و دوي صوت في ذهن القائد:
أتحسب نفسك قادراً علي منعنا يا حفيد (نخاو)، سنسحققكم و لسوف نصل الي دلتا النيل ناهين تدفق مياهه من كل صوب، حتي تسقطوا و ترضخوا لنا، نحن سادة الحبشة في كل زمان، انها لعنة (طاهر قا).
كان القائد ينقل كل ما يدور إلي نائبه عبر جهاز الاتصال، مخاطباً إياه إن اخبرهم بسر اللعنة، قل لهم إن يحاولوا معرفة الحل، قل لهم إن يبعثوا كل ما لديهم من قوات، اخبرهم إن يضربوا بكل ما لدينا من قوة، بلا رحمة.
ثم التفت إلي جنوده قائلاً:
لسنا بافضل ممن لبوا نداء ربهم، من يسبقني الي الشهادة؟
الملكة: ويلا لك يا أحمق، أتتحداني؟
القائد: بل الويل لك و لم تبعك منهم اجمعين.
و إزداد عدد الشهداء واخد آخر.
منزل إسراء، لاحقاً:
كانت ( إسراء) تتابع الإخبار، كانت كل يوم تتزاد حزناً لما يحول لوطنها. اعداد الشهداء في تزايد، الاحوال من سيء الي اسواء، انقطاع الكهرباء في معظم ساعات اليوم، قلة كمية المياه المتاحة، كم الاسماك التي مصدرها البحيرة يكاد ينعدم، اصوات الانفجارات لا تنتهي.
ذهبت كي تنام، لكنها لم تستطع النوم، ظلت تفكر بما يحدث. خطر بذهنها ما شاهدته في المقبرة، النبوئة المكتوبه علي الجدار، لماذا تظن ان ما يحدث الآن يبدو مألوفا لما يحدث الآن.
لما لا تعودين الي المقبرة و تقرأي كل ما هو مكتوب علي كل الجدران؟؟؟ انها ليست بالفكرة الجيدة بالطبع ان تذهب فتاة وحيدة الي مقبرة فرعونية حديثة الاكتشاف ليلاً و في ظل ظروف الحرب هذه.
لكن و لأنها عنيدة فلقد انطلقت بسيارتها الصغيرة صوب المقبرة، و دلفت إلي الداخل مستعينة بضوء مصباح كهربائي كانت تضعه في السيارة و لم تستعمله ابدا قط. تري من وضعه؟ لربما أخي، حسناً إن هؤلاء الرجال قد يبدون مفيدين احيانا.
ممممم، إن ما هو مكتوب بتناسق مع الحدث ،لكن ما الجديد ما هو الحل؟ ماذا علي الحائط المقابل انها اللعنة مكتوبة، لكن ما علاقة هذا بذاك؟
استجمعي شتات افكارك يا فتاة، فتاة اول حرف من اسمها كآخر حرف، ويلي إن اسمي هو ( إسراء) الحرف الاول مثل الاخير (ا) و ماذا ايضاً؟
ولدت يوم تعامد الجبار، إن كوكبة الجبار هى كوكبة الجوزاء، و انا من مواليد برج الجوزاء.
ماذا ايضاً؟ فتاه في منتصف العمر! انا في اوائل الثلاثينيات من العمر و لست في منتصف الاربعينيات كما تدعي تلك الحمقاء ( مريم).
حسناً ما المكتوب هناك في ركن آخر داخل المقبرة؟ إنها خرطوشة ملكية اخري ، لكن ما داخلها ليس اسم ملك لكنه رمز كلب يعض ناقة. غريب هذا، ماذا يعني؟
الم تفهمي بعد يا إسراء؟؟
خلع هذا الصوت قلبها من موضعه، و برز لها من العدم رجال بهي الطلعة، يرتدي بذلة كرواد الفضاء و علي كتفه رمز كرمز (حورس).
إسراء: من تكون او ماذا تكون؟
انا القائد ( نفرع) قائد سرب (رع) من قوات( طيبة) الفضائية.
إسراء: حسنا لقد ازدادت الخرافات و اللعنات منذ ان دخلنا تلك المقبرة اللعينة ، و لا باس من مخبول أخر. هل لك ان تخبرني من انت بالظبط يا استاذ ( نفرغ)؟
نفرع: انا منقذ من زمان آخر، اتيت لأدلك علي الخلاص
إسراء: و هل تعرف ما نحن بصدده؟
نفرع: نعم، لكن القدر قد اختارك انت، هل انت مستعدة؟
إسراء: نعم.
نفرع: لقد عرفتي اللعنة و النبوة و امامك الحل، نعم انت المنقذة لكن حذاري فأنت الامل الاخير و الوحيد.
إسراء: كيف؟
نفرع: فقط اعملي عقلك، انت الافضل...
إسراء: و لكن.....
لكنه قد تلاشي كما ظهر....
ماذا لو اخبرت امي بما يحدث لي و انني الان في مقبرة فرعونية اتحدث مع قائد سلاح الجو الفرعوني نتحدث معا عن لعنات مخيفه، و كانني اجلس مع خطيبي عل ضفة النيل و نشرب الليمونادة!!!!
حسناً يا فتاه، اعملي عقلك كما قال، كلب يعض ناقة،ماذا تعني، لكن إن تلك النوق تمتص الماء بشراهة غير مسبوقة، و هي تتضخم بعد شرب الماء وحتي المقذوفات تنزلق من علي جسدها كما ينزلق الماء من علي ريش الاوز.
الماء يقل من النيل، الماء الماء إن الموضوع كله يتعلق بالماء ( كم انا ذكية) ، رباه إن قوة تلك الكائنات تستمدها من الماء، فماذا لو حصل العكس؟ إن مشهد الكلب الذي بعض الناقلة ، نعم إن الكلاب المصابة بالسعار لا تشرب الماء، لانها لو قامت بشرب الماء فإنها تموت لان خلاياها تنفجر و تموت ضحية للماء.
لكن هل يمكن الحل في ان نطلق كلابا مصابة بالسعار علي تلك المخلوقات، لا، لكن ماذا لو تم حقن تلك المخلوقات بالفيروس المسبب لداء الكلب؟ هل من وسيلة اخري، ربما تنفع. لكن ما اين اتي به، لاتوجد وسيلة اتصالات مع الجيش، إذا علي فعلها بنفسي.
استقلت سيارتها مفكرتا في كيفية الحصول علي هذا الفيروس؟ نعم انهم يحتفظون به في مختبرات الميكروبيلوچي في كلية الطب تمهيداً لتصنيع المصل، إلي هناك.
و ما إن وصلت إلي المختبر في الطابق الثالث حتي وحدت بصح محقنات مكتوبه عليها (RABIES VIRUSE ) ، حسنا لا بد ان هذه هي، فالاذهب.
استقلت ( إسراء) سيارتها الصغيرة مجددا متجهة غربا، نحو الجيش، و كانت تشعر ان سيارتها تخاطبها قائلة:
ارحميني من تلك الطرق الصحراوية فإن لست بدبابة.
إسراء: هيا يا صغيرتي كوني قوية و اعدك إن اطعمك من وقود الطائرات دائماً.....إن عندنا.
و ما إن وصلت إلى حدود النسق الاخير من الجيش ، ما لبث إن استوقفها جندي ملوحا بسلاحه، قائلا:
قفي و إ لا اطلقت النار.
إسراء: خذني إلي قائدك بالله عليك.
الجندي: مستحيل هذه ساحة حرب.
إسراء:قل له إن لدي الحل.
الجندي: كيف! ماذا تقولين؟
إسراء: اسرع لا وقت لدينا.
خاطب الجندي قائده، الذي خاطب قائد الجيش بدوره، الذي أخبره قائلاً:
احضرها إلي، فليس لدي ما اخسره.
و ما تم اللقاء بين القائد و (إسراء) و اخبرته بما لديها، حتي ان القائد تعجب قائلاً:
هذا غريب لكن ما تمر به البلاد اغرب، حسناً سوف أكلف أعتي جنودي بالقيام بتلك المهمة الانتحارية.
إسراء: عفوا سيدي القائد، لكنني انا المختارة.
القائد: لكن يا بنتي لم يمت كل الرجال بعد كي تقومي انت بتلك المهمة.
إسراء: هل انت مستعد لتقبل شهيدة جديدة؟
و جلسوا يضعون الخطة معا.
اصطحبت سيارة عسكرية (إسراء) إلي خط التماس المباشر مع العدو بعد ما توقفت القوات إطلاق النار.
ترجلت ( إسراء) من السياراة، و قلبها يدق بعنف، مفاصلها ترتعد، و رائحة الادرينالين تكاد تقفز مع انفاسها، خائفة من المجهول، ماذا يحدث انا التي اخاف منظر الدماء، اتي إلي صحراء بمفردي قاصداً مساعدة جيش بلادي ضد عدو مرعب. لم لا كوني مختلفة، ما اهو افضل الاحتمالات؟ إن اساعد الجيش. ما هو أسواء الاحتمالات؟ إن أموت؟ إن اكون شهيدة؟ حسنا انا الرابحة في كلتا الحالتين. توكلت على الله.
و ما رات النوق (إسراء) قادمة وحيدة تجاههم حتي تعجبوا، و قالوا لا بأس ببعض المرح، و احاطوا بها من كل جانب.
إسراء: ما بالكم ايتها النوق الجبناء، استهاجمون فتاة وحيدة؟اين مليكتكم الحمقاء؟
و هنا برزت لها الملكة من العدم، ناظراً إليها في غضب، فبادرتها (إسراء) قائلاً:
انت كبيرة هوئلا الحمقي، اليس كذلك؟
الملكة: و من انا اذا؟ اتعلمين انني قادرة علي سحقك حتي من قبل ان تشعري؟ ماذا تريدين؟
إسراء: قد اتيت كي أخرج احشائك اللعينة من فمك الغبي، فهل انت قادرة على منعي؟
ضحكت الملكة ضحكة شبيهة بضحكة الشيطاين في اغوار الجحيم، هذا إن كانت الشيطاين تضحك و هي في قلب الجحيم، حسنا يا فتاة، لك ما اردت. و أبتلعت ( إسراء).
من داخل تجويف فم الملكة، فتحت ( إسراء) الحقيبة المثبتة علي ظهرها و التي اعطاها اياها القائد و تذكرت قوله:
تذكري إن فرصتك الوحيدة في إن تتشبثي في فم الملكة قبل ان تبتلعك و تذيبك افرازاتها الحمضية. قومي بتثبيت نفسك بالخطافات، و احقني الفيروس في الغشاء المخاطي المبطن لتوجيف الفم، ذلك يحدث تاثيرا سريعاً للغالية. و ليكن الله بعونك و بعوننا.
تشبثت ( إسراء) و قامت بحقن المحقن الاول و من الخارج كان المشهد يتبدل، إذ كانت حركة النوق تضعف و تثقل حتي ان حجمها بدأ يتضائل.
أضراااااااب، قالها القائد.
انطلقت نيران الجحيم من القوات تصيب اهدافها هذه المرة، و تصرعها واحدة تلو الأخرى.
لا تطلقوا النار علي الملكة، إسراء بالداخل. قالها القائد.
لكنها قد لقت حتفها يا سيدي القائد، قالها احد كبار الضباط.
القائد: لا إن (إسراء) سوف تعود، انا اشعر بهذا.
و من داخل فم الملكة كانت ( إسراء) تقوم بحقن المحقنات الواحد تلو الآخر، و كان يتابدر الي ذهنها صوت باقي النوق التي يصرعها الجيش، لانها كلها ترتبط ببعضها البعض مع الملكة عن طريق التخاطر الذي يحدثه اذن الملكة الكبيرة، حسنا لقد قمت بزرع الفيروس داخل النظام، و ها هو الي زوال.
ولسوف اقضي عليك، إن اغاني سوف تحل عليك و سوف نذهب معا الي الجحيم، إلي الجحيم.
إسراء: الجحيم لك انت و لمن تبعك الي يوم الدين يا لعينة، إن لعنة النيل تدمر اعدائه، و هو الخير و الحياة لنا نحن ابنائه. الم تفهمي بعد؟
و من الخارج استمر الجيش في إبادة النوق، حتي سقطت الملكة من تلقاء نفسها.
احد المستشفيات، بعد بضعة أيام:
لقد استعادت وعيها. قالها احد الاطباء.
ابصرت عينا (إسراء) الجميلتان النور لتجد اسرتها حولها و معهم قائد الجيش.
إسراء: ماذا حدث؟
القائد: لقد فقدت الوعي بضعة ايام، قد قلقنا عليك كثيرا يا بنيتي.
إسراء: و ماذا عن...
القائد: نعم لقد انتهي الكابوس علي يديك. شكراً لك ايتها المقاتلة.
إسراء: فعلاً؟
القائد: نعم و هناك حفلاً مهيبا لتكريمك ينتظر في القاهرة.
إسراء: اريد الذهاب الى شاطئ النيل.
القائد: الآن؟
إسراء: نعم الآن يا قائد جيش الفدا.
جلست ( إسراء) علي شاطئ النيل، جلست تتأمل الماء الجاري في شوق، في لهفة و في حب.
مدت يداها الرقيقتين و اغترفت غرفة من ماء النيل، ما اعذبها.
قالت له:
لطالما عشقتك منذ نعومة اظافري...
عرفت معك اجمل ذكرياتي...
إن ما فعلته كان محاولة لرد الجميل لا اكثر...
كانت تشعر ان النيل يتحدث إليها، مالت برأسها نحوه، خطابها قائد الجيش متسائلاً:
ماذا يقول لك؟
إسراء: هذا سر بيننا.
و من جديد غاب ضوء الشمس، لكن هذه المرة بفضل جبال من السحب تمطر النيل بمياه جديده معوضا إياه عن ما فقده....
نظرت ( إسراء) إلي السماء، و قالت:
حقا ان للنيل رب يحميه.
د. سامح هدهود